للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفريط في الحقِّ والتعدِّي على الخلق (١) ما قد يكونُ بعضه خطأً مغفورًا، وقد يكونُ منكرًا من القول وزورًا، وقد يكونُ من البدع والضلالات التي توجبُ غليظَ العقوبات.

فهذا لا ينكرُه إلا جاهلٌ أو ظالم، وقد رأيتُ من هذا عجائبَ, لكن هم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية المِلَل، ولا ريب أن في كثيرٍ من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفُجور ما لا يعلمُه إلا من أحاط بكلِّ شيء علمًا، لكن كلُّ شرٍّ يكونُ في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكلُّ خيرٍ يكونُ في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهلُ الحديث بالنسبة إلى غيرهم.

وبيان ذلك: أن ما ذُكِر من فُضول الكلام الذي لا يفيد ــ مع اعتقاد أنه طريقٌ إلى التصور والتصديق ــ هو في أهل الكلام والمنطق أضعافُ أضعافِ أضعافِ ما هو في أهل الحديث أضعافًا مضاعفة، فبإزاء احتجاجِ أولئك بالحديث الضعيف احتجاجُ هؤلاء بالحُدود والأقيِسَة الكثيرة العظيمة (٢) التي لا تفيدُ معرفةً بل جهلًا وضلالًا، وبإزاء تكلُّم أولئك بأحاديثَ لا يفهمون معناها تكلُّفُ هؤلاء من القول بغير علمٍ ما هو أعظمُ من ذلك وأكثر.


(١) الأصل: «الى الخلق». وأصلحت في (ط).
(٢) (ط): «العقيمة» , وهو محتمل, فالعقيم من القياس ما لا ينتج. والمثبت من الأصل أولى, فإن المصنف يريد بيان كثرة تلك الأقيسة التي لا تفيد وأنها أضعاف الأحاديث الضعيفة التي يحتج بها أهل الحديث, والتعبير بهذين الوصفين معًا مألوفٌ في كلام المصنف, وتأمل قوله بعد قليل: «أعظم من ذلك وأكثر».

<<  <  ج: ص:  >  >>