هي المقصودةُ بالحدود إلا أن تكون مطابقةً للخارج، فإن لم يكن هناك تركيبٌ لم يصحَّ أن يكون في هذه تركيب، وليس في الذهن إلا تصوُّر الحيِّ الناطق, وهو جوهرٌ واحدٌ له صفتان كما قدَّمنا، فلا تركيبَ فيه بحال.
واعلم أنه لا نزاع أن صفات الأنواع والأجناس منها ما هو مشتركٌ بينها وبين غيرها، كالجنس والعَرَض العامِّ، ومنها ما هو لازمٌ للحقيقة، ومنها ما هو عارضٌ لها وهو ما ثبت لها في وقتٍ دون وقتٍ كالبطيء الزَّوال وسريعِه، وإنما الشأنُ في التفريق بين الذاتيِّ والعَرَضيِّ اللازم، فهذا هو الذي مدارُه على تحكُّم ذهن الحادِّ.
ولا تنازُع في أن بعض الصِّفات قد يكونُ أظهرَ وأشرف، فإن النطقَ أشرفُ من الضحك وأهمُّ (١)، ولهذا ضرب الله به المثلَ في قوله:{إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}[الذاريات: ٢٣]، ولكن الشأن في جعل هذا ذاتيًّا تُتَصَوَّرُ به الحقيقة دون الآخر.
الوجه الثاني عشر: أن هذه الصِّفات الذاتية قد تُعْلَمُ ولا يُتَصَوَّرُ بها كُنْهُ المحدود، كما في هذا المثال وغيره، فعُلِمَ أن ذلك ليس بموجِبٍ لفهم الحقيقة.
الثالث عشر: أن الحدَّ إذا كان له جزءان، فلا بدَّ لجزأيه مِن تصوُّر، كالحيوان والناطق، فإن احتاج كلُّ جزءٍ إلى حدٍّ لزم التسلسلُ أو الدَّور.
فإن كانت الأجزاء متصوَّرةً بنفسها بلا حدٍّ, وهو تصوُّر الحيوان، أو