للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان كثيرٌ من أرباب العبادة والتصوُّف يأمرون بملازمة الذكر، ويجعلون ذلك هو بابَ الوصول إلى الحق. وهذا حسنٌ إذا ضمُّوا إليه تدبُّر القرآن والسُّنة واتِّباع ذلك.

وكثيرٌ من أرباب النظر والكلام يأمرون بالتفكُّر والنظر، ويجعلون ذلك هو الطريقَ إلى معرفة الحق. والنظرُ صحيحٌ إذا كان في حقٍّ ودليلٍ, كما تقدَّم.

فكلٌّ من الطريقين فيها حقٌّ، لكن تحتاجُ إلى الحقِّ الذي في الأخرى، ويجبُ تنزيهُ كلٍّ منهما عمَّا دخل فيهما من الباطل، وذلك كلُّه باتباع ما جاءت به المرسلون، وقد بسطنا الكلام في هذا في غير هذا الموضع، وبيَّنا طريقَ أهل العبادة والرياضة والذِّكر وطريقَ أهل الكلام والنظر والاستدلال، وما في كلٍّ منهما من مقبولٍ ومردود، وبيَّنا ما جاءت به الرسالةُ من الطريق الكاملة الجامعة لكلِّ حقٍّ, وليس هذا موضعُ بسط ذلك (١).

وإنما المقصودُ هنا أن الإنسان يُحِسُّ (٢) بأنه عالِمٌ ويجدُ ذلك ويعرفُه بغير واسطةِ أحدٍ كما يُحِسُّ بغير ذلك، وحصولُ العلم في القلب كحصول الطعام في الجسم، فالجسم يحسُّ بالطعام والشراب وكذلك القلوب تُحِسُّ بما ينزلُ إليها من العلوم التي هي طعامُها وشرابها، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إن


(١) انظر: «الرد على الشاذلي» (٢٨ - ٣٥) , و «منهاج السنة» (٥/ ٤٢٨, ٤٢٩) , و «درء التعارض» (٥/ ٣٥٠) , و «مجموع الفتاوى» (٢/ ٥٤ - ٩٣, ١١/ ٢٧, ١٣/ ١٠١, ٢٢/ ٣٠٦) , و «النبوات» (٢٤٧, ٣٣٦) , و «الاستقامة» (١/ ٢٢٠).
(٢) الأصل: «محس». والوجه ما أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>