للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان الذكرُ متعلقًا بالله؛ لأنه سبحانه الحقُّ المعلوم، وكان التفكُّر في مخلوقاته, كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: ١٩١]، وقد جاء الأثر: «تفكَّروا في المخلوق ولا تفكَّروا في الخالق» (١)؛ لأن التفكيرَ والتقديرَ يكونُ في الأمثال المضروبة والمقاييس، وذلك يكونُ في الأمور المتشابهة وهي المخلوقات، وأما الخالق ــ جلَّ جلالُه سبحانه وتعالى ــ فليس له شبيهٌ ولا نظير، فالتفكُّر الذي مبناه على القياس ممتنعٌ في حقِّه، وإنما هو معلومٌ بالفطرة، فيَذْكُره العبد.

وبالذكر وبما أخبر به عن نفسه يَحْصُل للعبد من العلم به أمورٌ عظيمة لا تُنال بمجرَّد التفكير والتقدير، أعني من العلم به نفسِه، فإنه الذي لا تفكير فيه، فأما العلمُ بمعاني ما أخبَر به ونحو ذلك فيدخلُ فيها التفكير والتقدير، كما جاء به الكتاب والسُّنة.


(١) أخرجه بهذا اللفظ أبو الشيخ في «العظمة» (٩٨٢) من حديث ابن عباس مرفوعًا بإسنادٍ شديد الضعف. وروي بمعناه من وجوهٍ أخرى منكرةٍ لا يصحُّ منها شيء من حديث ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما, وحسَّن الحديث بمجموعها الألباني في «الصحيحة» (١٧٨٧) , وقال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (٣٤٢): «أسانيدها كلها ضعيفة لكن اجتماعها يكتسبُ قوة».
وأمثل ما في الباب ما أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٢/ ٤٦) موقوفًا على ابن عباس - رضي الله عنهما - بإسنادٍ ليِّن, وجوَّده ابن حجر في «الفتح» (١٣/ ٣٨٣) , ويشبه أن يكون هو أصل تلك الأخبار فرفعه الضعفاء وركَّبوا له الأسانيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>