للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام أحمد لمَّا ذكَر اعتقادَه اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي (١) , وله في هذا الباب مصنفٌ ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فَهِمَه، ولم يذكُر فيه ألفاظَه، وإنما ذكَر جُمَل الاعتقاد بلفظِ نفسِه، وجعَل يقول: «وكان أبوعبد الله» (٢) , وهو بمنزلة من يصنِّفُ كتابًا في الفقه على رأي بعض الأئمَّة ويذكُر مذهبَه بحسب ما فَهِمَه ورآه، وإن كان غيرُه أعلمَ بمذهب ذلك الإمام منه, أعلمَ بألفاظه وأفهمَ لمقاصده.

فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة, ومن المعلوم أن أحدهم يقول: حكمُ الله كذا، أو حكمُ الشريعة كذا, بحسب ما اعتقَده عن صاحب الشريعة، بحسب ما بلغه وفَهِمَه، وإن كان غيرُه أعلمَ بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهمَ لمراده.

فهذا أيضًا من الأمور التي يكثُر وجودُها في بني آدم؛ ولهذا قد تختلفُ الروايةُ في النقل عن الأئمَّة، كما يختلفُ بعض الحديث في النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - معصوم، فلا يجوزُ أن يصدُر عنه خبران متناقضان في الحقيقة ولا أمران متناقضان في الحقيقة إلا وأحدُهما ناسخٌ والآخر منسوخ، وأما غيرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس بمعصوم، فيجوزُ أن يكون قد قال خبرين متناقضين وأمرين متناقضين ولم يشعُر بالتناقض.

لكن إذا كان في المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحتاجُ إلى تمييزٍ ومعرفة, وقد تختلفُ الرواياتُ حتى يكون بعضُها أرجحَ من بعض, والناقلون لشريعته


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٢/ ٣٦٧) , و «درء التعارض» (٢/ ١٧, ١٠٠).
(٢) وهو مطبوع طبعات متقاربة عن نسخة الظاهرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>