للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا يعبدون الملائكة أيضًا، كما عبدتها الصَّابئةُ الفلاسفة، كما قال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} الآية [الزخرف: ١٩].

وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: ٤٠، ٤١]، يعني: أن الملائكة لم تأمرهم بذلك, وإنما أمرتهم بذلك الجنُّ؛ ليكونوا عابدين للشَّياطين التي تتمثَّل لهم، كما يكونُ للأصنام شياطين, وكما تنزلُ الشَّياطينُ على بعض من يعبد الكواكبَ ويَرْصُدها، حتى تنزل عليه صورةٌ فتخاطبه، وهو شيطانٌ من الشَّياطين.

ولهذا قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} الآية [يس: ٦٠]، وقال: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} الآية [الكهف: ٥٠]، فهم وإن لم يقصدوا عبادةَ الشَّيطان وموالاته فهم في الحقيقة يعبدونه ويوالُونه.

فقد تبيَّن أن هؤلاء الفلاسفة الصَّابئة المبتدعة مؤمنون بقليلٍ مما جاءت به الرُّسل في أمر الملائكة في صِفَتهم وأقدارهم, وذلك أن هؤلاء القوم إنما سلكوا [سبيل] (١) الاستدلال بالحركات الفلكيَّة والقياس على نفوسهم، مع ما جحَدوه وجَهِلُوه من خلق الله وإبداعه.

وسببُ ذلك ما ذكره طائفةٌ ممَّن جمع أخبارَهم (٢) أن أساطينَهم


(١) من (ط) وليست في الأصل.
(٢) كصاعد وأبي الحسن العامري والشهرستاني. انظر: «طبقات الأمم» لصاعد (٢١) , و «الملل والنحل» (٢/ ١٢٢, ١٢٦, ١٣٢, ١٤١) , و «أخبار الحكماء» للقفطي (٢٥) , و «الجواب الصحيح» (٦/ ٤٩٧ - ٤٩٩) , و «درء التعارض» (٧/ ٨٠) , و «النبوات» (١٩٨) , و «الرد على المنطقيين» (٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>