للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الولد يكونُ مِن جنس والده, ويكونُ نظيرًا له وإن كان فرعًا له، ولهذا كان هؤلاء القائلون بهذه المعاني مِن أعظم الخلق قولًا بالتشبيه والتمثيل وجَعْل الأنداد له والعَدْل (١) والتَّسوية, ولهذا كانت الفلاسفةُ الذين يقولون بصدور العقول والنفوس عنه على وجه التولُّد والتعليل يجعلونها له أندادًا ويتخذونها آلهةً وأربابًا، بل قد لا يعبدون إلا إيَّاها ولا يَدْعُون سواها، ويجعلونها هي المبدعةَ لما سواها تحتها.

فالحمدُ لله {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: ١١١]، و {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: ١، ٢] (٢).

فإن هؤلاء جعلوا لله {شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٠]، و {الْجِنَّ} قد قيل: إنه يعمُّ الملائكة، كما قيل في قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: ١٥٨]، وإن كان قد قيل في سبب ذلك زعمُ بعض مشركي العرب أن الله صاهَرَ إلى الجنِّ فوَلَدَت الملائكة (٣)، فقد


(١) أي يعدلون به غيرَه فيجعلونه عديلًا له, كما قال سبحانه: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
(٢) بعده فراغ في الأصل بمقدار ستة أسطر, وكتب الناسخ في الطرة: «قال في المسودة: يتلوه الوريقة. ولم نجدها».
(٣) انظر: تفسير ابن جرير (١٩/ ٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>