للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك أبو محمد بن حزمٍ فيما صنَّفه من المِلَل والنِّحَل إنما يُسْتَحْمَدُ بموافقة السُّنة والحديث، مثل ما ذكره في مسائل القَدَر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرَد به من قوله في التفضيل بين الصحابة (١) , وكذلك ما ذكره في باب الصفات فإنه يُسْتَحْمَدُ فيه بموافقة أهل السُّنة والحديث، لكونه يثبتُ الأحاديثَ الصحيحة ويعظِّمُ السَّلفَ وأئمة الحديث، ويقول: إنه موافقٌ للإمام أحمد في مسألة القرآن (٢) وغيرها، ولا ريب أنه موافقٌ له ولهم في بعض ذلك، لكن الأشعريَّ ونحوه أعظمُ موافقةً للإمام أحمد بن حنبل ومن قبله من الأئمَّة في القرآن والصفات.

وإن كان أبو محمدٍ في مسائل الإيمان والقَدَر أقومَ من غيره, وإن كان أعلمَ بالحديث وأكثرَ تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكن قد كان خالطَ من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صَرَفَتْهُ عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافقَ هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى.


(١). ذهب إلى أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الصحابة جميعًا. انظر: «الدرَّة فيما يجب اعتقاده» (٣٦٥) , و «المحلى» (١/ ٦٥) , و «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٩٥).
(٢). في طرة الأصل عند هذا الموضع: «انظر قوله: ويقول إنه موافقٌ للإمام أحمد في مسألة القرآن! فالظاهر أنه في غاية المخالفة له, ومذهبه الذي يُنْقَلُ عنه في القرآن مذهبٌ باطل, فإنه يقول: القرآن أربعة, هذا المتلوُّ, والثابت بالرسم العثماني, والمحفوظ في الصدور, وهذه الثلاث كلها مخلوقة, والرابع المعنى القديم, وكل واحدٍ يسمَّى بالقرآن. وهذا مباينٌ لمذهب الإمام أحمد الذي هو مذهب السلف». وانظر لمذهب ابن حزم في مسألة القرآن: كتبه «المحلى» (١/ ٣٢, ٥٢, ٦/ ٢٨٥) , و «الدرَّة» (٢١٨) , و «الفصل» (٣/ ٤) , و «الأصول والفروع» (٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>