للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبمثل هذا صار يذمُّه من يذمُّه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهرٍ لا باطنَ له، كما نفى المعاني في الأمر والنهي والاشتقاق، وكما نفى خرقَ العادات ونحوه من كرامات الأولياء (١)، مضمومًا إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني ودعوى متابعة الظواهر، وإن كان له من الإيمان والدِّين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعُه إلا مكابر.

ويوجدُ في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمعُ مثلُ ذلك لغيره, فالمسألةُ التي يكونُ فيها حديثٌ يكونُ جانبه فيها ظاهرَ الترجيح. وله من التمييز بين الصَّحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السَّلف ما لا يكادُ يقعُ مثلُه لغيره من الفقهاء (٢).


(١). الأصل: «من عبادات القلوب» , وهو تحريفٌ أرجو أن صوابه ما أثبت, ولعله كان مشتبهًا في الأصل الذي ينقل عنه الناسخ. والمراد بخرق العادات ما يقع للسحرة ونحوهم, وابن حزم يرى أن السحر «تخييلٌ وتحيُّل لا حقيقة له ولا يقلب عينًا ولا يُحِيل طبيعة»؛ لأن خرق العادة عنده معجزة, والمعجزة لا تكون إلا لنبي, ولو صحَّت لغيرالأنبياء لما كان بين النبي وغيره فرق, ومن هذا الباب نفى كرامات الأولياء. انظر: «الدرَّة» (١٩٢ - ١٩٧) , و «الفصل» (٢/ ٥) , و «المحلى» (١/ ٣٦) , و «الأصول والفروع» (٢٤١) , و «النبوات» للمصنف (١٣٠, ٢١٤, ١٠٣١).
(٢). هذا من أهم المواضع التي تكلم فيها ابن تيمية عن ابن حزم. وانظر: «درء التعارض» (٢/ ١٩, ٥/ ٢٤٩, ٢٥٠) , و «منهاج السنة» (٢/ ٥٨٤) , و «شرح الأصبهانية» (٥١٤, ٥١٧) , و «الرد على الشاذلي» (١٩٩) , و «الرد على المنطقيين» (١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>