للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر بانتزاع مدرسةٍ معروفة (١) من أبي الحسن الآمدي (٢)، وقال: أخذُها منه أفضلُ من أخذ عَكَّا (٣)،

مع أن الآمديَّ لم يكن أحدٌ في وقته أكثرَ تبحُّرًا في العلوم الكلامية والفلسفية منه، وكان مِن أحسنهم إسلامًا وأمثَلهم اعتقادًا.

ومن المعلوم أن الأمور الدقيقة ــ سواءٌ كانت حقًّا أو باطلًا، إيمانًا أو كفرًا ــ لا تُعْلَمُ إلا بذكاءٍ وفطنة، فكذلك أهلُه قد يَسْتَجْهِلُون من لم يَشْرَكْهم في علمهم، وإن كان إيمانُه أحسنَ من إيمانهم، إذا كان فيه قصورٌ في الذَّكاء والبيان، وهم كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا


(١). هي المدرسة العزيزية بدمشق. انظر: «تاريخ الإسلام» (١٤/ ٥٠) , و «الدارس في تاريخ المدارس» (١/ ٢٩٨) , والمصادر التالية.
(٢). سيف الدين علي بن أبي علي, الأصولي المتكلم (ت: ٦٣١). انظر: «مرآة الزمان» (٨/ ٦٩١) , و «السير» (٢٢/ ٣٦٤) , و «الوافي بالوفيات» (٢١/ ٣٤٠).
(٣). عكَّا من مدن فلسطين على ساحل البحر المتوسط, وكانت يومئذ بأيدي الصليبيين.

ولابن الصلاح في فتاويه (١/ ٢٠٩ - ٢١٢) فتوى مشهورة في المنطق وأهله, عرَّض فيها بالآمدي فقال: «فالواجبُ على السلطان - أعزَّه الله وأعزَّ به الإسلام وأهلَه - أن يدفع عن المسلمين شرَّ هؤلاء المشائيم, ويخرجهم من المدارس ويبعدهم, ويعاقب على الاشتغال بفنهم, ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام, لتخمد نارهم وتنمحي آثارها وآثارهم, يسَّر الله ذلك وعجَّله, ومِن أوجب هذا الواجب عزلُ من كان مدرِّسَ مدرسةٍ من أهل الفلسفة والتصنيف فيها والإقراء لها ثم سجنه وإلزامه منزله, ومن زعم أنه غيرُ معتقدٍ لعقائدهم فإن حاله يكذِّبه, والطريقُ في قلع الشر قلعُ أصوله, وانتصابُ مثله مدرسًا من العظائم».
وقال عنه ابن كثير في «طبقات الشافعية» (٧٨٢): «يكره طرائق الفلسفة والمنطق, ويغضُّ منها, ولا يمكِّن من قراءتها بالبلد، والملوك تطيعُه في ذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>