للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قلتم: لا ندري أحقٌّ هي أم باطل؟ اعترفتم بأن أعظمَ المطالب وأجلَّها لا يوزنُ بميزان المنطق.

فإن صَدَّقتم لم يوافقكم المنطق، وإن كَذَّبتم لم يوافقكم المنطق، وإن ارتبتُم لم ينفعكم المنطق!

ومن المعلوم أن موازينَ الأموال لا يُقْصَدُ أن يوزنَ بها الحطبُ والرَّصاصُ دون الذهب والفضة, وأمرُ النبوَّات وما جاءت به الرُّسل أعظمُ في العلوم من الذهب في الأموال, فإذا لم يكن في منطقكم ميزانٌ له كان الميزانُ مع أنه ميزانٌ عائلٌ (١) جائرٌ هو أيضًا عاجز, فهو ميزانٌ جاهلٌ ظالم؛ هو إما أن يردَّ الحقَّ ويدفعَه فيكونَ ظالمًا، أو لا يَزِنه ولا يبيِّن أمرَه فيكون جاهلًا، أو يجتمع فيه الأمران فيردَّ الحق ويدفعَه, وهو الحقُّ الذي ليس للنفوس عنه عِوَض، ولا عنه مندوحة، وليست سعادتُها إلا فيه ولا هلاكُها إلا تركُه.

فكيف يستقيمُ مع هذا أن تقولوا: إنه وما وزنتموه به من المتاع الخسيس ــ الذي أنتم في وزنكم إيَّاه به ظالمون عائلون، لم تَزِنُوا بالقسطاس المستقيم، ولم تستدلُّوا بالآيات البيِّنات ــ هو معيارُ العلوم الحقيقية، والحكمة اليقينية, التي فاز بالسَّعادة عالمُها، وخاب بالشَّقاوة جاهلُها؟ !

ورأسُ مال السَّادة (٢) وغايةُ (٣) العالم المنصف منكم أن يعترفَ بعجز


(١) عال الميزانُ, إذا مال. قال أبو طالب في لاميته الباذخة:
بميزان قسطٍ لا يغلُّ شعيرةً ... له شاهدٌ من نفسه غير عائلِ
(٢) سادة المنطق. وأخشى أن تكون محرفة.
(٣) الأصل: «غاية» بدون الواو.

<<  <  ج: ص:  >  >>