للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا دون هذا وبالعكس، ولو خطَر له الوصفان وعرَف أن الإنسان حيوانٌ ناطقٌ ضاحكٌ لم يكن بمجرَّد معرفته هذه الصِّفات مدركًا لحقيقة الإنسان أصلًا.

وكلُّ هذا أمرٌ محسوسٌ معقول, فلا يغلِّط العاقلُ نفسَه في ذلك لهيبة التقليد لهؤلاء الذين هم من أكثر الخلق ضلالًا ودعوى للتحقيق، فهم في الأوائل كمتكلِّمة الإسلام في الأواخر, ولما كان المسلمون خيرًا من أهل الكتابَيْن والصَّابئين كانوا خيرًا منهم وأعلم وأحكم، فتدبَّر هذا, فإنه نافعٌ جدًّا.

ومِن هنا يقولون: الحدودُ الذاتية عَسِرَة (١)، وإدراكُ الصِّفات الذاتية صعب، وغالبُ ما بأيدي الناس حدودٌ رسمية؛ وذلك كلُّه لأنهم وضعوا تفريقًا بين شيئين بمجرَّد التحكُّم الذي هم أدخلوه. ومن المعلوم أن ما لا حقيقة له في الخارج ولا في المعقول، وإنما هو ابتداعُ مبتدعٍ وَضَعَه وفرَّق به بين المتماثلَين فيما تماثلا فيه= لا تعقلُه القلوبُ الصحيحة, إذ ذاك من


(١). انظر: «الرد على المنطقيين» (٩, ٢١, ٣٠) , و «معيار العلم» (٢٨٢) , و «المستصفى» (١/ ٥٣) , و «حكمة الإشراق» للسهروردي (٢١) , و «أساس الاقتباس» للطوسي (٤٤١) , وشرحه على «الإشارات» (١/ ١٥٢) , وقال ابن سينا في فاتحة رسالته في الحدود (٧٤ - تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات): إنه «كالأمر المتعذِّر على البشر» , وكلام المنطقيين والمتكلمين في هذا كثير, وخالف في ذلك أبو البركات بن ملكا في «المعتبر» (١/ ٦٤ - ٦٩) وردَّ على ابن سينا في فصل «حكاية ما أورده من استصعب قانون التحديد وجعله في حدود الامتناع وتسهيل تلك الصعوبة وتجويز ذلك الممتنع» , ولم يأت بشيء سوى تجويز الحدِّ الاسمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>