للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا لعَمْري في منفعته (١) في سائر العلوم, وأما منفعتُه في علم الإسلام خصوصًا فهذا أبينُ من أن يحتاجَ إلى بيان, ولهذا تجدُ الذين اتصلت إليهم علومُ الأوائل فصاغوها بالصِّيغة العربية بعقول المسلمين جاء فيها من الكمال والتحقيق والإحاطة والاختصار ما لا يوجدُ في كلام الأوائل، وإن كان في هؤلاء المتأخِّرين من فيه نفاقٌ وضلال، لكن عادت عليهم في الجملة بركةُ ما بُعِثَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكَلِم, وما أوتيته أمَّتُه من العلم والبيان الذي لم يَشْرَكها فيه أحد.

وأيضًا، صناعةُ المنطق وضعَها معلِّمُهم الأول أرسطو صاحبُ التعاليم التي لمبتدعة الصَّابئة يَزِنُ بها ما كان هو وأمثالُه يتكلَّمون فيه مِن حكمتهم وفلسفتهم التي هي غايةُ كمالهم, وهي قسمان: نظرية وعملية.

فأصحُّ النظرية ــ وهي المدخلُ إلى الحق (٢) ــ هي الأمورُ الحِسَابية الرياضية, وأما العملية فإصلاحُ الخُلُق والمنزل والمدينة. ولا ريب أن في ذلك مِن نوع العلوم والأعمال التي يتميَّزون بها عن جهَّال بني آدم الذين ليس لهم كتابٌ منزَّلٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ ما يستحقُّون به التقدُّم على ذلك.

وفيه مِن منفعة صلاح الدنيا وعمارتها ما هو داخلٌ في ضمن ما جاءت به الرسل. وفيها أيضًا من قول الحقِّ واتباعه والأمر بالعدل والنهي عن الفساد ما هو داخلٌ في ضمن ما جاءت به الرسل.

فهم بالنسبة إلى جهَّال الأمم ــ كبادية التُّرك ونحوهم ــ أمثلُ إذا خَلَوا


(١) أي علم النحو.
(٢) كذا في الأصل. والفلسفة النظرية عندهم هي العلمية ومنها العلم الإلهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>