والحاصلُ أن توحيدَ الله والإيمانَ برسله واليوم الآخر هي أمورٌ متلازمةٌ مع العمل الصالح، فأهلُ هذا الإيمان والعمل الصالح هم أهلُ السَّعادة من الأوَّلين والآخِرين، والخارجون عن هذا الإيمان مشركون أشقياء، فكلُّ من كذَّب الرُّسلَ فلا يكونُ إلا مشركًا، وكلُّ مشركٍ مكذِّبٌ للرُّسل، وكلُّ مشركٍ وكافرٍ بالرُّسل فهو كافرٌ باليوم الآخر، وكلُّ من كفر باليوم الآخر فهو كافرٌ بالرُّسل وهو مشرك.
ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: ١١٢، ١١٣] , فأخبر أن جميعَ الأنبياء لهم أعداء، وهم شياطينُ الإنس والجنِّ، يوحي بعضُهم إلى بعضٍ القولَ المزخرَف، وهو المزيَّن المحسَّن، يَغُرُّون به, والغُرُور: التلبيسُ والتمويه. وهذا شأنُ كلِّ كلامٍ وكلِّ عملٍ يخالفُ ما جاءت به الرُّسل مِن أمر المتفلسفة والمتكلِّمة وغيرهم من الأوَّلين والآخرين.
ثم قال:{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ} فأخبَر أن كلام أعداء الرُّسل تَصْغَى إليه أفئدةُ الذين لا يؤمنون بالآخرة, فعُلِمَ أن مخالفةَ الرُّسل وتركَ الإيمان بالآخرة متلازمان، فمن لم يؤمن بالآخرة صَغَى إلى زُخْرُف أعدائهم، فخالفَ الرُّسل، كما هو موجودٌ في أصناف الكفار والمنافقين في هذه الأمَّة.