للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجَّح الموحِّدين ترجيحًا ما، فقد يرجِّح غيرُه المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعًا. فتدبَّر هذا، فإنه نافعٌ جدًّا.

ولهذا كان رؤوسهم المتقدِّمون والمتأخرون يأمرون بالشرك, فالأولون يسمُّون الكواكبَ «الآلهة الصغرى» (١)، ويعبدونها بأصناف العبادات، كذلك كانوا في ملَّة الإسلام لا ينهونَ عن الشرك ويوجبونَ التوحيد، بل يسوِّغون الشرك, أو يأمرون به، أو لا يوجبون التوحيد.

وقد رأيتُ من مصنَّفاتهم في عبادة الكواكب (٢) والملائكة وعبادة الأنفُس المفارِقة (٣) ــ أنفُس الأنبياء وغيرهم ــ ما هو أصلُ الشرك.

وهم إذا ادَّعوا التوحيدَ فإنما توحيدُهم بالقول لا بالعبادة والعمل, والتوحيدُ الذي جاءت به الرُّسل لا بدَّ فيه من التوحيد بإخلاص الدِّين لله وعبادته وحده لا شريك له، وهذا شيءٌ لا يعرفونه, والتوحيدُ الذي يدَّعونه إنما هو تعطيلُ حقائق الأسماء والصِّفات، وفيه من الكفر والضلال ما هو من أعظم أسباب الإشراك.


(١) كما تقدم (ص: ١٩٠).
(٢) ككتاب الرازي «السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم» , كما تقدم (ص: ٨٠). وانظر: «درء التعارض» (٧/ ١٣٩, ٩/ ١٨٩) , و «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ٦٢, ٣/ ١٤٣, ٤٧٣) , و «اقتضاء الصراط المستقيم» (١/ ٢١٩).
(٣) ذلك أن النفس الكاملة بعد مفارقة البدن تصير عقلًا عندهم, فإذا توجه إليها أحدٌ مستشفعًا فاضت الرحمة عليها ثم تفيض بتوسطها على من توجه إليها وتعلق بها. انظر: «الصفدية» (٢/ ٢٥٨) , و «الرد على المنطقيين» (١٠٣) , و «الرد على البكري» (١٦٧, ٥٠٧ - ٥٠٩) , و «مجموع الفتاوى» (١/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>