فحيوانيةُ الإنسان ونطقُه كلٌّ منهما فيه ما يشتركُ الحيوان فيه، وفيه ما يختصُّ به عن سائر الحيوان، وكذلك بناءُ بِنْيَتِه، فإن نموَّه واغتذاءه وإن كان بينه وبين النبات قدرٌ مشتركٌ فليس مثله؛ إذ هذا يغتذي بما يلَذُّ به ويَسُرُّ نفسَه وينمو بنموِّ حسِّه وحركتِه وهمِّه وحَرْثِه، وليس النباتُ كذلك.
وكذلك أصنافُ النوع وأفرادُه, فنطقُ العرب بتمييز قلوبهم وبيان ألسنتهم أكملُ مِن نطق غيرهم، حتى يكونُ في بني آدم من هو دون البهائم في النطق والتمييز ومنهم من لا تُدْرَكُ نهايتُه.
وهذا كلُّه يبيِّن أن اشتراك أفراد الصِّنف، وأصناف النوع، وأنواع الجنس والأجناس السافلة في مسمَّى الجنس الأعلى لا يقتضي أن يكون المعنى المشتركُ فيها بالسَّواء، كما أنه ليس في الحقائق الخارجة شيءٌ مشترك، ولكن الذهنَ فَهِمَ معنًى يوجدُ في هذا ويوجدُ نظيرُه في هذا, وقد تبيَّن أنه ليس مناظرًا له على وجه المماثلة، لكن على وجه المشابهة، وأن ذلك المعنى المشترك هو في أحدهما على حقيقةٍ تخالفُ حقيقةَ الآخر.
ومِن هنا يغلطُ القياسيُّون الذين يَلْحَظُون المعنى المشترك الجامعَ دون الفارق المميِّز, والعربُ من الأصناف (١) والمسلمون من أهل الأديان أعظمُ الناس إدراكًا للفروق وتمييزًا للمشتركات, وذلك موجودٌ في عقولهم ولغاتهم وعلومهم وأحكامهم.
ولهذا لما ناظر متكلِّمو الإسلام العربُ هؤلاء المتكلِّمة الصَّابئة عجمَ
(١). أصناف البشر, وسبقت الإشارة (ص: ١١٢) إلى استعمال المصنف للفظ «الأصناف» دون إضافة.