للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشرابٍ يُصْنَعُ من العسل يسمَّى البِتْع، وكان قد أوتي جوامعَ الكلم، فقال: «كلُّ مسكرٍ حرام» , فأراد أن يبيِّن لهم بالكلمة الجامعة ــ وهي القضيةُ الكُلِّية ــ أن «كلَّ مسكرٍ خمر»، ثم جاء بما كانوا يعلمونه من أن «كلَّ خمرٍ حرام» حتى يثبت تحريمُ المسكِر في قلوبهم، كما صرَّح به في قوله: «كلُّ مسكرٍ حرام».

ولو اقتصر على قوله: «كلُّ مسكرٍ حرام» لتأوَّله متأوِّلٌ على أنه أراد القدحَ الأخير, كما تأوَّله بعضهم (١). ولهذا قال أحمد: قولُه: «كلُّ مسكرٍ خمر» أبلغ؛ فإنهم لا يسمُّون القدحَ الأخيرَ خمرًا، ولو قال (٢): «كلُّ مسكرٍ خمر» لتأوَّله بعضهم على أنه يشبهُ الخمرَ في التحريم، فلما زاد (٣): «وكلُّ خمرٍ حرام» عُلِمَ أنه أراد دخولَه في اسم الخمر التي حرَّمها الله.

والغرض هنا أن صورةَ القياس المذكورة فطريةٌ لا تحتاجُ إلى تعلُّم، بل هي عند الناس بمنزلة الحِسَاب، ولكن هؤلاء يطوِّلون العبارات ويُغْرِبُونها.

وكذلك انقسامُ المقدمة التي تسمَّى القضية, وهي الجملة الخبرية, إلى خاصٍّ وعام، ومنفيٍّ ومثبت, ونحو ذلك، وأن القضيةَ الصادقةَ يصدُق عكسُها وعكسُ نقيضها ويكذبُ نقيضها، وأن جملتها تختلف, ونحو ذلك, وكذلك تقسيمُ القياس إلى الحَمْلي الاقتراني (٤)، والاستثنائي التلازُمِي,


(١). انظر: «المبسوط» (٢٤/ ١٦, ١٧) , و «فتح القدير» (٥/ ٣٠٦).
(٢). أي اقتصر.
(٣). الأصل: «فلما أراد». والمثبت من (ط) وهو الصواب.
(٤). الأصل: «الافراي». وفي (ط, ف): «الأفرادي». تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>