للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلومٌ بالحسِّ والتواتر لكلِّ من سمع كلامَ المسلمين، لا تجدُ في الأمة عُظِّمَ أحدٌ تعظيمًا أعظمَ مما عُظِّموا به، ولا تجدُ غيرَهم يُعَظَّمُ إلا بقدر ما وافقهم فيه، كما لا يُنْقَصُ إلا بقدرِ ما خالفهم، حتى إنك تجدُ المخالفين لهم كلَّهم وقت الحقيقة يقرُّ بذلك، كما قال الإمام أحمد: «آيةُ ما بيننا وبينهم يومُ الجنائز» (١)

, فإن الحياة بسبب اشتراك الناس في المعاش يُعَظِّمُ الرجلَ طائفتُه، فأما وقت الموت فلا بدَّ من الاعتراف بالحقِّ من عموم الخلق.

ولهذا لم يُعْرَف في الإسلام مثلُ جنازته، مَسَحَ المتوكِّلُ موضع الصلاة


(١). رواه الدارقطني عن أبي علي الصواف عن عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: «قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز». «سؤالات السلمي للدارقطني» (٤٧٢). وانظر: «تاريخ دمشق» (٥/ ٣٣٢) , و «تهذيب الكمال» (١/ ٤٦٧).
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (١٤/ ٤٢٦): «وقد صدَّق اللهُ قولَه في هذا, فإنه - رحمه الله - كان إمام السنة في زمانه، وعيون مخالفيه: أحمد بن أبي دؤاد القاضي لم يحتفل أحدٌ بموته ولا شيَّعه أحدٌ من الناس إلا القليل, وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهده وورعه لم يصلِّ عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس».

وذكر البرزالي في تاريخه عند خبر وفاة ابن تيمية جنازة الإمام أحمد وشهرتها وجنازة أبي بكر بن أبي داود وعِظَمها, قال ابن كثير: «ولا شك أن جنازة الإمام أحمد بن حنبل كانت هائلة عظيمة بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك، والشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - توفي ببلده دمشق وأهلها لا يَعْشُرون أهل بغداد كثرةً، ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعًا لو جمعهم سلطانٌ قاهرٌ وديوانٌ حاصرٌ لما بلغوا هذه الكثرة التي انتهوا إليها، هذا مع أنه مات بالقلعة محبوسًا من جهة السلطان، وكثيرٌ من الفقهاء يذكرون عنه أشياء كثيرة مما ينفر منها أهل الأديان». «البداية والنهاية» (١٨/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>