قل ياأيها الكافرون فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (وَاللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ) أَيْ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَهَا
وَزَادَ النَّسَائِيُّ وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَجَاءَ فِي عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّ السُّوَرَ الثَّلَاثَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ
وَالْحَدِيثُ فيه دليل على الإيثار بِثَلَاثٍ
وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ تَعْيِينِ الْوَصْلِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ حَسَنٌ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا أَوْ نَقَصَ عَنْهَا
قَالَ فَأَخَذْنَا بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكْنَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَتَعَقَّبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقٍ وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تُشْبِهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَبِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وإسناده على شرط الشيخين وقد صححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِرُوَاةٍ ثِقَاتٍ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَلَا تُشْبِهُوا الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ وَأَخْرَجَ بن نَصْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّلَاثَ فِي الْوِتْرِ وَقَالَ لَا يُشْبِهُ التَّطَوُّعُ الْفَرِيضَةَ
فَهَذَا كُلُّهُ يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي زَعَمَهُ لَكِنْ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ لَمْ نَجِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا ثَابِتًا صَرِيحًا أَنَّهُ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ
نَعَمْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنِ الرَّاوِي هَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَفْصُولَةٌ انْتَهَى
يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ أَيْ فَيُصَلِّيهِنَّ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُجَابُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ بِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمَرْوِيَّ فِي السُّنَنِ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا لَمْ يَثْبُتَا عِنْدَهُ
قُلْتُ هَذَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ وَالْجَمْعُ بين حديث الايثار بِثَلَاثٍ
وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ التَّشْبِيهِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى صَلَاةِ الثَّلَاثِ بِتَشَهُّدَيْنِ
وَقَدْ فَعَلَهُ السَّلَفُ أَيْضًا فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّالِثَةِ مِنَ الْوِتْرِ بِالتَّكْبِيرِ يَعْنِي إِذَا قَامَ مِنْ سُجُودِهِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَامَ مُكَبِّرًا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ لِلتَّشَهُّدِ
وَمِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ ومن طريق عبد الله بن طاووس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ وَمَنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ مثله
وروى محمد بن نصر عن بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ كَالْمَغْرِبِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه وفي حديثهما قل ياأيها الكافرون وقل هو الله أحد انتهى