أَوْ أَرَادَ الْخَوْضَ فِيهِ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ أَوْ قَدِيمٌ أَوِ الْمُجَادَلَةَ فِي الْآيِ الْمُتَشَابِهَةِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْجُحُودِ فَسَمَّاهُ كُفْرًا بِاسْمِ مَا يخاف عاقبته انتهى
وقال الإمام بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمِرَاءُ الْجِدَالُ وَالتَّمَارِي وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ وَيُقَالُ لِلْمُنَاظَرَةِ مُمَارَاةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ وَيَمْتَرِيهِ كَمَا يَمْتَرِي الْحَالِبُ اللَّبَنَ مِنَ الضَّرْعِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّأْوِيلِ وَلَكِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عَلَى حَرْفٍ فَيَقُولَ الْآخَرُ لَيْسَ هُوَ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِهِ وَكِلَاهُمَا مُنَزَّلٌ مَقْرُوءٌ بِهِ فَإِذَا جَحَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِرَاءَةَ صَاحِبِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ إِلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهُ نَفَى حَرْفًا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ
وَقِيلَ إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقَدَرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَعَانِي عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ وَالْبَاعِثُ عَلَيْهِ ظُهُورَ الْحَقِّ لِيُتَّبَعَ دُونَ الْغَلَبَةِ وَالتَّعْجِيزِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ أَنْ يَرُومَ تَكْذِيبَ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ لِيَدْفَعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمُتَخَالِفِينَ عَلَى وَجْهٍ يُوَافِقُ عَقِيدَةَ السَّلَفِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَلْيَكِلْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ هُوَ الْمُجَادَلَةُ فِيهِ وَإِنْكَارُ بَعْضِهَا انْتَهَى
(بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ)
(عَنْ حَرِيزٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وكسر الراء وآخره زاي (بن عُثْمَانَ) الرَّحْبِيِّ الْحِمْصِيِّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ جَرِيرٌ بِالْجِيمِ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ جَرِيرَ بْنَ عُثْمَانَ بِالْجِيمِ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَحَدًا مِنَ الرُّوَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ (أُوتِيتُ الْكِتَابَ) أَيِ الْقُرْآنَ (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) أَيِ الْوَحْيَ الْبَاطِنَ غَيْرَ الْمَتْلُوِّ أَوْ تَأْوِيلَ الْوَحْيِ الظَّاهِرِ وَبَيَانَهُ بِتَعْمِيمٍ وَتَخْصِيصٍ وَزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ أَوْ أَحْكَامًا وَمَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا تُمَاثِلُ الْقُرْآنَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الْوَحْيِ الْبَاطِنِ غَيْرِ الْمَتْلُوِّ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مِنَ الظَّاهِرِ الْمَتْلُوِّ وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَحْيًا يُتْلَى وَأُوتِيَ مِثْلَهُ مِنَ الْبَيَانِ أَيْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا فِي الْكِتَابِ