١٢ - (باب كَرَاهِيَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ)
[٣١٠٨] (لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِالْمَوْتِ) الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ وَالْمُرَادُ هُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا (لِضُرٍّ) بِضَمِّ الضَّادِ وَتُفْتَحُ قَالَهُ القارىء (نَزَلَ بِهِ) أَيْ بِأَحَدِكُمْ (وَلَكِنْ لِيَقُلْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ لِأَنَّ فِي التَّمَنِّي الْمُطْلَقِ نَوْعُ اعْتِرَاضٍ وَمُرَاغَمَةٍ لِلْقَدَرِ الْمَحْتُومِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا نَوْعُ تَفْوِيضٍ وَتَسْلِيمٍ لِلْقَضَاءِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي) أَيْ مِنَ الْمَوْتِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ غَالِبَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْأَزْمِنَةُ خَالِيَةٌ عَنِ الْفِتْنَةِ وَالْمِحْنَةِ (وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) أَيْ مِنَ الْحَيَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَبَّرَ فِي الْحَيَاةِ بِقَوْلِهِ مَا كَانَتْ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ فَحَسُنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالصِّيغَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاتِّصَافِ بِالْحَيَاةِ وَلَمَّا كَانَتِ الْوَفَاةُ لَمْ تَقَعْ بَعْدُ حَسُنَ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَ الضُّرُّ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهُ
قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى تَمَنٍّ لِلْمَوْتِ وَقَدْ تَمَنَّى الْمَوْتُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَذَلِكَ مُعَارِضٌ يَعْنِي لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ
وَأَجَابَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ وَقَوْلِ عَائِشَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يُقْبَضُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ فَلَمَّا سَمِعَتْهُ يَقُولُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى عَلِمْتُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ
قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وعلي ففيهما بيان معنى نهيه عليه السلام عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِذَا نَزَلَ بِالْمُؤْمِنِ مَرَضٌ أَوْ ضِيقٌ فِي دُنْيَاهُ فَلَا يَتَمَنَّى الْمَوْتَ عِنْدَ ذَلِكَ فَإِذَا خَشِيَ أَنْ يُصَابَ فِي دِينِهِ فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ مُصَابِهِ بِدِينِهِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ عُمَرُ هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّهُ خَشِيَ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِ أَنْ يَعْجِزَ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْأُمَّةِ فَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَمَاتَهُ بِأَنْ قُتِلَ انْسِلَاخَ الشَّهْرِ
وَكَذَلِكَ خَشِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ سَأْمَتِهِ لِرَعِيَّتِهِ وَسَأْمَتِهِمْ لَهُ
وَقَدْ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَفَاةَ لِنَفْسِهِ حِرْصًا عَلَى السَّلَامَةِ مِنَ التَّغْيِيرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ