للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٤ - (بَاب فِي صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ)

(كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَيَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوِرْدِ رَبْعًا وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّامِ عَلَى هذه النسبة فيكون التاسع عشرا

وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ

وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ

وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الإظماء فبعيد ثم إن حديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي الْبَابِ التَّالِي يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ إِنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعُ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ الْعَاشِرَ وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ أَنْ لَا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَأَمَرَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

صَائِم

فَقَالَ عَبْد اللَّه لَا تَصُمْ فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرِّبَ إِلَيْهِ حِلَاب فِيهِ لَبَن يَوْم عَرَفَة فَشَرِبَ منه فلا تصم

فإن الناس يستنوون بِكَمْ رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث كُرَيْب عَنْ مَيْمُونَة بنت الحرث أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ النَّاس شَكُّوا فِي صِيَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عَرَفَة فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ يَعْنِي مَيْمُونَة بِحِلَابِ لَبَن وَهُوَ وَاقِف فِي الْمَوْقِف فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاس يَنْظُرُونَ فَقِيلَ يُحْتَمَل أَنْ تَكُون مَيْمُونَة أَرْسَلَتْ وَأُمّ الْفَضْل أَرْسَلَتْ كُلّ مِنْهُمَا بِقَدَحٍ وَيُحْتَمَل أن يكونا مجتمعين فإنها أختها فاتفقنا عَلَى الْإِرْسَال بِقَدَحٍ وَاحِدٍ فَيُنْسَب إِلَى هَذِهِ وَإِلَى هَذِهِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِعُرْفَةِ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ صِيَامه يُكَفِّر سَنَتَيْنِ فَالصَّوَاب أَنَّ الْأَفْضَل لِأَهْلِ الْآفَاق صَوْمه وَلِأَهْلِ عَرَفَة فِطْره

لِاخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَعَمَل خُلَفَائِهِ بَعْده بِالْفِطْرِ وَفِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الدُّعَاء الَّذِي هُوَ أَفْضَل دُعَاء الْعَبْد وَفِيهِ أَنَّ يَوْم عَرَفَة عِيد لِأَهْلِ عَرَفَة فَلَا يُسْتَحَبّ لَهُمْ صِيَامه

وَبَعْض النَّاس يَخْتَار الصَّوْمَ وَبَعْضهمْ يَخْتَار الْفِطْر وَبَعْضهمْ يُفَرِّق بَيْن مَنْ يُضْعِفهُ وَمَنْ لَا يُضْعِفهُ

وَهُوَ اِخْتِيَار قتادة والصيام اختيار بن الزُّبَيْر وَعَائِشَة وَقَالَ عَطَاء أَصُومهُ فِي الشِّتَاء وَلَا أَصُومهُ فِي الصَّيْف وَكَانَ بَعْض السَّلَف لَا يَأْمُر بِهِ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ وَيَقُول مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>