بِتَكْرَارِ مَرَّتَيْنِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَرَّتَيْنِ لِكِلْتَا الْيَدَيْنِ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى النبي تَوَضَّأَ وَفِيهِ وَيَدُهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُضُوءٌ آخَرُ لِكَوْنِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَ وَاحِدٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ الْمَنْقُولُ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْدَادِ وَالْمَصَادِرِ وَالْأَجْنَاسِ إِذَا كُرِّرَتْ كَانَ الْمُرَادُ حُصُولُهَا مُكَرَّرَةً لَا التَّأْكِيدَ اللَّفْظِيَّ فَإِنَّهُ قَلِيلُ الْفَائِدَةِ لَا يَحْسُنُ حَيْثُ يَكُونُ لِلْكَلَامِ مَحْمَلٌ غَيْرُهُ مِثَالُ ذَلِكَ جَاءَ الْقَوْمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَوْ رَجُلًا رَجُلًا أَيِ اثْنَيْنِ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَرَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ وَهَذَا مِنْهُ أَيْ غَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ أَيْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ (إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ) ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى دُخُولِهِمَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ إِلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَفْظُ إِلَى يُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا فَأَمَّا دُخُولُهَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْمَسْلَك السَّادِس أَنَّ الرِّجْل لَهَا ثَلَاثَة أَحْوَال حَال تَكُون فِي الْخُفّ فَيَجْزِي مَسْح سَاتِرهَا وَحَال تَكُون حَافِيَة فَيَجِب غَسْلهَا فَهَاتَانِ مَرْتَبَتَانِ وَهُمَا كَشْفهَا وَسَتْرهَا فَفِي حَال كَشْفهَا لَهَا أَعْلَى مَرَاتِب الطَّهَارَة وَهِيَ الْغَسْل التَّامّ وَفِي حَال اِسْتِتَارهَا لَهَا أَدْنَاهَا وَهِيَ الْمَسْح عَلَى الْحَائِل وَلَهَا حَالَة ثَالِثَة وَهِيَ حَالَمَا تَكُون في النعل وهي حالة متوسطة بين كتفها وَبَيْن سَتْرهَا بِالْخُفِّ فَأُعْطِيَتْ حَالَة مُتَوَسِّطَة مِنْ الطَّهَارَة وَهِيَ الرَّشّ فَإِنَّهُ بَيْن الْغَسْل وَالْمَسْح
وَحَيْثُ أُطْلِقَ لَفْظ الْمَسْح عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَال فَالْمُرَاد بِهِ الرَّشّ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى
وَهَذَا مَذْهَب كَمَا تَرَى لَوْ كَانَ يَعْلَم قَائِل مُعَيَّن
وَلَكِنْ يُحْكَى عَنْ طَائِفَة لَا أَعْلَم مِنْهُمْ مُعَيَّنًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَيْر مِنْ مَسْلَك الشِّيعَة فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ الْمَسْلَك السَّابِع أَنَّهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ فَرْض الرِّجْلَيْنِ الْمَسْح وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ الجواري وبن عباس وحكي عن بن جَرِيرٍ أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْن الْأَمْرَيْنِ فَأَمَّا حِكَايَته عن بن عباس فقد تقدمت وأما حكايته عن بن جَرِيرٍ فَغَلَط بَيِّن وَهَذِهِ كُتُبه وَتَفْسِيره كُلّه يُكَذِّب هَذَا النَّقْل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الشُّبْهَة لأن بن جَرِيرٍ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْمَقَالَة رَجُل آخَر مِنْ الشِّيعَة يُوَافِقهُ فِي اِسْمه وَاسْم أَبِيهِ وَقَدْ رَأَيْت لَهُ مُؤَلَّفَات فِي أُصُول مَذْهَب الشِّيعَة وَفُرُوعهمْ
فَهَذِهِ سَبْعَة مَسَالِك لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيث
وَبِالْجُمْلَةِ فَاَلَّذِينَ رَوَوْا وُضُوء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شعبة والربيع بنت معوذ والمقدام بن معد يكرب وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَجَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَمْ يَذْكُر أَحَد منهم ما ذكر في حديث علي وبن عَبَّاسٍ مَعَ الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا
وَاللَّهُ أَعْلَم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute