لِلْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا مَعًا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَالِكِ
ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ) أَيْ شَرِيكَيْنِ (فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي الْإِبِلِ يَجِبُ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي أَيْدِي أَحَدِهِمَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ عَلَى السَّوِيَّةِ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا ظَلَمَ فَأَخَذَ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجَعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ ظُلْمٌ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِالسَّوِيَّةِ
وَقَدْ يَكُونُ تَرَاجُعُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ قَدْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ نُصِيبِ أَحَدِهِمَا شَاةً فَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاتِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ تَصِحُّ مَعَ تَعَيُّنِ أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ
وقد روي عن عطاء وطاووس أَنَّهُمَا قَالَا إِذَا عَرَفَ الْخَلِيطَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَمْوَالَهُمَا فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي شَرْطِ الْخَلِيطَةِ
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الرَّاعِي وَالْمَرَاحُ وَالْفَحْلُ وَاحِدًا فَهُمَا خَلِيطَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَقَالَ مَالِكٌ فَإِنْ فَرَّقَهُمَا الْمَبِيتُ هَذِهِ فِي قَرْيَةٍ وَهَذِهِ فِي قَرْيَةٍ فَهُمَا خَلِيطَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَرَاحِ فَلَيْسَا بِخَلِيطَةٍ وَاشْتَرَطَ فِي الْخُلْطَةِ الْمَرَاحَ وَالْمَسْرَحَ وَالسَّقْيَ وَاخْتِلَاطَ الْفُحُولَةِ وَقَالَ إِذَا افْتَرَقَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامُ النصاب
وعند الشافعي إذا تم مالهما نصاب فَهُمَا خَلِيطَانِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) أَيْ فَيُعْطِي شَيْئًا تَطَوُّعًا (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ الفضة الخالصة مضروبة كانت أولا أَصْلُهُ وَرِقٌ وَهُوَ الْفِضَّةُ حَذَفَ مِنْهُ الْوَاوَ وَعَوَّضَ عَنْهَا التَّاءَ كَمَا فِي عِدَةٍ وَدِيَةٍ (رُبْعُ الْعُشْرِ) بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِي وَضَمِّهِمَا فِيهِمَا يَعْنِي إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَرُبْعُ الْعُشْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ (إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً) مِنَ الدَّرَاهِمِ
وَالْمَعْنَى إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ نَاقِصَةً عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
قَالَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَة الْمُنْذِرِيِّ بِنَصِّهَا إِلَى قَوْل الشَّافِعِيّ وَبِهِ نَأْخُذ