الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْلِكَهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَيَأْكُلَهَا إِنْ شَاءَ غَنِيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ لَهَا أَوْ فَقِيرًا
وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ مَيَاسِيرِ الْأَنْصَارِ وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ السَّنَةِ لَأَشْبَهَ أَنْ لَا يُبِيحَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا إِلَّا بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ إِلَى حَدِّ الْغِنَى فَلَمَّا أَبَاحَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كُلِّهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِبَاحَةُ التَّمْلِيكِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَلَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا تَصَدَّقَ بِهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وبن عباس رضي الله عنهما وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ (قَالَ وَلَا أَدْرَى أَثْلَاثًا قَالَ عَرِّفْهَا أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيت بعده بِمَكَّةَ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى
وَالْقَائِلُ شُعْبَةُ وَالَّذِي قَالَ لَا أَدْرِي هُوَ شَيْخُهُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَقَدْ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ شُعْبَةُ فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ شُعْبَةُ فَلَقِيتُ سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا وَاحِدًا فَالْمَعْنَى أَيْ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ لَا أَدْرِي أَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ عَرِّفْهَا ثَلَاثًا أَيْ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ عَرِّفْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا
قَالَ الْحَافِظُ وَأَغْرَبَ بن بَطَّالٍ فَقَالَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالْقَائِلُ هُوَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ انْتَهَى
وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُنْذِرِيُّ
بَلِ الشَّكُّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَهُوَ سَلَمَةُ لَمَّا اسْتَثْبَتَهُ فِيهِ شُعْبَةُ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِغَيْرِ شَكِّ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ أُبَيٍّ هَذَا وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْآتِي فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ يُحْمَلُ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَلَى مَزِيدِ الْوَرَعِ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي اللُّقَطَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّعَفُّفِ عنها وحديث زيد على ما لابد مِنْهُ أَوْ لِاحْتِيَاجِ الْأَعْرَابِيِّ وَاسْتِغْنَاءِ أُبَيٍّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إِنَّ اللُّقَطَةَ تُعَرَّفُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ إِلَّا شَيْءٌ جَاءَ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى
وَقَدْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن شواذ من الفقهاء وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ عَامًا وَاحِدًا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ اللُّقَطَةِ وَحَقَارَتِهَا وَزَادَ بن حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أشهر
وجزم بن حزم وبن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ غَلَطٌ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ سَلَمَةَ أَخْطَأَ فِيهَا ثُمَّ تَثَبَّتَ وَاسْتَذْكَرَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤَاخَذُ إِلَّا بِمَا لَمْ يَشُكَّ فِيهَا رَاوِيهِ
وَقَالَ بن