قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُمْ بِدَلِيلٍ فَأَمَّا نَفْسُ اللَّفْظِ فَقَدْ كَانَ مُوهِمًا لِلتَّكْرَارِ وَمِنْ أَجْلِهِ عَرَضَ هَذَا السُّؤَالُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ فِي اللُّغَةِ قَصْدٌ فِيهِ تَكْرَارٌ وَمِنْ ذَلِكَ قول الشاعر يحجون بيت الزبرقان المزعفرا يزيد أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَهُ فِي أُمُورِهِمْ وَيَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ فِي حَاجَاتِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَكَانَ سَيِّدًا لَهُمْ وَرَئِيسًا فِيهِمْ
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْمَعْنَى فِي إِيجَابِ الْعُمْرَةِ وَقَالُوا إِذَا كَانَ الْحَجُّ قَصْدًا فِيهِ تَكَرُّرٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْحَجِّ إِنَّمَا هُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَكَرَّرُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا حَجَّ مَرَّةً ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمْرِ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ هَلْ يُوجِبُ التَّكْرَارَ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفْسُ الْأَمْرِ يُوجِبُ التَّكْرَارَ وَذَهَبُوا إِلَى مَعْنَى اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ مِنْهُ وَقَالَ الْآخَرُونَ لَا يُوجِبُهُ وَيَقَعُ الْخَلَاصُ مِنْهُ وَالْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُ أَفَعَلْتَ مَا أُمِرْتَ بِهِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ صَادِقًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
وَفِي إِسْنَادِهِ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ صَاحِبُ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ فَرَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا رَوَاهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رجل لكل عام يارسول اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا انْتَهَى (عُقَيْلٌ عَنْ سِنَانَ) أَيْ بِغَيْرِ لَفْظِ أَبِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ وَعَبْدَ الْجَلِيلِ بْنَ حُمَيْدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ كُلَّهُمْ قَالُوا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانَ وَأَمَّا عُقَيْلٌ وَحْدَهُ فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سِنَانَ
قُلْتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَبَا سِنَانَ كُنْيَتُهُ وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أُمَيَّةَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute