غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهَا فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَيُحْمَلُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا كَانُوا يَعْتَادُونَهُ مِنْ تَرْكِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَخَرَجُوا لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الْحَجَّ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَ الْإِحْرَامِ وَجَوَّزَ لَهُمُ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[١٧٨٤] (لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ) أَيْ لَوْ عَنَّ لِيَ هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي رَأَيْتُهُ آخِرًا وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِي لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي وَقَلَّدْتُهُ وَأَشْعَرْتُهُ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَهُ وَلَا يَنْحَرُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا يَلْتَزِمْ هَذَا وَيَجُوزُ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَطْيِيبَ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحِلُّوا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمْ قَبُولُ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ لَوْلَا الْهَدْيُ لَفَعَلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
قُلْتُ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ حِينَئِذٍ عَلَى مَعْنَى جَوَازِ التَّمَتُّعِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ (قَالَ مُحَمَّدُ) بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ (أَحْسَبُهُ) أَيْ عُثْمَانَ بْنَ عُمَرَ (قَالَ) فِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَحَلَلْتُ إِلَخْ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ الذُّهْلِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْكَلَامِ
[١٧٨٥] (بِالْحَجِّ مُفْرَدًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ حَجَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرَدًا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُمْ أفردوا الحج
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَالصَّوَاب أَنَّ مَا أَحْرَمَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَفْضَل وَهُوَ الْقِرَان وَلَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ اِسْتَقْبَلَ مِنْ أَمْره مَا اِسْتَدْبَرَ لَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَكَانَ حِينَئِذٍ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الْمَفْضُول تَأْلِيفًا لَهُمْ وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ كَمَا تَرَكَ بِنَاء الْكَعْبَة عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم وَإِدْخَال الْحَجَر فِيهَا وَإِلْصَاق بَابهَا بِالْأَرْضِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الصَّحَابَة الْحَدِيثِي الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ خَشْيَة أَنْ تَنْفِر قُلُوبهمْ
وَعَلَى هَذَا فَيَكُون اللَّه تَعَالَى قَدْ جَمَعَ لَهُ الْأَمْرَيْنِ النُّسُك الْأَفْضَل الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ وَمُوَافَقَته لِأَصْحَابِهِ بِقَوْلِهِ لَوْ اِسْتَقْبَلَتْ فَهَذَا بِفِعْلِهِ وَهَذَا بِنِيَّتِهِ وَقَوْله وَهَذَا الْأَلْيَق بِحَالِهِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute