وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إِنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا قَالُوا وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثِ الْحَرْثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ وَسَيَأْتِيَانِ عند المؤلف
قالوا ومعنى قوله للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج أو القران فهما جائزان إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَأَمَّا فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَمُخْتَصٌّ بِتِلْكَ السَّنَةِ
وَقَدْ عَارَضَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ ذَكَرَ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى مِنْهَا أَحَادِيثَ عَشَرَةٍ مِنْهُمْ وَهُمْ جَابِرٌ وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وأسماء وعائشة وبن عباس وأنس وبن عُمَرَ وَالرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ وَالْبَرَاءُ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ هُمْ حَفْصَةُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو مُوسَى
قَالَ المنذري
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَكَيْفَ يُطْلَق الْجَوَاب عَمَّا يَجُوز وَيُشْرَع
وَمَا لَا يَحِلّ وَلَا يَصِحّ إِطْلَاقًا وَاحِدًا هَذَا مما ينزه عنه آحاد أمته فضلا عنه وَمَعْلُوم أَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ أَمْر يَشْتَمِل عَلَى جَائِز وَمُحَرَّم وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّن لِلسَّائِلِ جَائِزه مِنْ حَرَامه وَلَا يُطْلَق الْجَوَاز وَالْمَشْرُوعِيَّة عَلَيْهِ إِطْلَاقًا وَاحِدًا
الثَّالِث أَنَّ النَّبِيّ قَدْ اِعْتَمَرَ قَبْل ذَلِكَ ثَلَاث عُمَر كُلّهنَّ فِي أَشْهُر الْحَجّ وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْخَاصّ وَالْعَامّ أَفَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ الرَّابِع أن النبي قَالَ لَهُمْ عِنْد إِحْرَامهمْ مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ وَفِي هَذَا أَعْظَم الْبَيَان لِجَوَازِ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ
الْخَامِس أَنَّهُ خَصَّ بِذَلِكَ الْفَسْخ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي فَأَمَرَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامه وَأَنْ لَا يَفْسَخ فَلَوْ كَانَ الْمُرَاد مَا ذَكَرُوهُ لَعَمَّ الْجَمِيع بِالْفَسْخِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْهَدْيِ أَثَر أَصْلًا فَإِنَّ سَبَب الْفَسْخ عِنْدهمْ الْإِعْلَام الْمُجَرَّد بِالْجَوَازِ وَهَذَا الْإِعْلَام لَا تَأْثِير لِلْهَدْيِ فِي الْمَنْع مِنْهُ
السَّادِس أَنَّ طُرُق الْإِعْلَام بِجَوَازِ الِاعْتِمَار فِي أَشْهُر الْحَجّ أَظْهَر وَأَبْيَن قَوْلًا وَفِعْلًا مِنْ الْفَسْخ فكيف يعدل عَنْ الْإِعْلَام بِأَقْرَب الطُّرُق وَأَبْيَنهَا وَأَسْهَلهَا وَأَدَلّهَا إِلَى الْفَسْخ الَّذِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِعْلَام وَالْخُرُوج مِنْ نُسُك إِلَى نُسُك وَتَعْوِيضهمْ بِسَعَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَام الْمُمْكِن الحصول بأقرب الطرق وقد بين ذَلِكَ غَايَة الْبَيَان بِقَوْلِهِ وَفِعْله فَلَمْ يُحِلّهُمْ بِالْإِعْلَامِ عَلَى الْفَسْخ
السَّابِع أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْفَسْخ لِلْإِعْلَامِ الْمَذْكُور لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا على داوم مَشْرُوعِيَّته إِلَى يَوْم