وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى جَوَازِ شَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَلَمْ يُوَافِقِ الصَّحَابَةُ مُعَاوِيَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يُسَاعِدُوهُ عَلَيْهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّتِهِ بِالْإِحْلَالِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَكَانَ قَارِنًا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ فَحَمَلَ مُعَاوِيَةُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ عَلَى الْهَدْيِ انْتَهَى
قَالَ السِّنْدِيُّ لَمْ يُوَافِقِ الصَّحَابَةُ مُعَاوِيَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَفْضَلِ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ أَيْ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَا وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي شَيْخٍ عَنْ أَخِيهِ حِمَّانَ وَيُقَالُ أَبُو حِمَّانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَرُوِيَ عَنْ بَيْهَسِ بْنِ فَهْدَانَ عَنْ أَبِي شَيْخٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَيْهَسٍ عَنْ أَبِي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ غَيْره أَبُو شَيْخ هَذَا لَمْ نَعْلَم عَدَالَته وَحِفْظه وَلَوْ كَانَ حَافِظًا لَكَانَ حَدِيثه هَذَا مَعْلُوم الْبُطْلَان إِذْ هُوَ خِلَاف الْمُتَوَاتِر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِعْله وَقَوْله فَإِنَّهُ أَحْرَمَ قَارِنًا رَوَاهُ عَنْهُ سِتَّة عَشَر نَفْسًا مِنْ أَصْحَابه وَخَيَّرَ أَصْحَابه بَيْن الْقِرَان وَالْإِفْرَاد وَالتَّمَتُّع وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى جَوَازه
وَلَوْ فُرِضَ صِحَّة هَذَا عَنْ مُعَاوِيَة فَقَدْ أَنْكَرَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ فَلَعَلَّهُ وَهِمَ أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ نَهْيه عَنْ مُتْعَة النِّسَاء بِمُتْعَةِ الْحَجّ كَمَا اِشْتَبَهَ عَلَى غَيْره
وَالْقِرَان دَاخِل عِنْدهمْ فِي اِسْم الْمُتْعَة وَكَمَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَقْصِيره عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض عُمَره بِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَجَّته وَكَمَا اِشْتَبَهَ على بن عَبَّاس نِكَاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَيْمُونَةَ فَظَنَّ أَنَّهُ نَكَحَهَا مُحْرِمًا وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ أَبَا رَافِع إِلَيْهَا وَنَكَحَهَا وَهُوَ حلال فاشتبه الأمر على بن عَبَّاس
وَهَذَا كَثِير
وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ سُنَن أَبِي دَاوُدَ نَهَى أَنْ يُفَرَّق بَيْن الحج والعمرة بالفاء والقاف
قال بن حَزْم هَكَذَا رِوَايَتِي عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبِيع وَهَكَذَا فِي كِتَابه وَهُوَ وَاَللَّه أَعْلَم وَهْم وَالْمَحْفُوظ يُقْرَن فِي هَذَا الْحَدِيث
تَمَّ كَلَامه
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا شَرِيك بْن أَبِي فَرْوَة عَنْ الْحَسَن قَالَ خَطَبَ مُعَاوِيَة النَّاس فَقَالَ إِنِّي مُحَدِّثكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم فصدقوني سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَا تَلْبَسُوا الذَّهَب إِلَّا مُقَطَّعًا قَالُوا سَمِعْنَا قَالَ وَسَمِعْته يَقُول مَنْ رَكِبَ جُلُود النُّمُور لَمْ تَصْحَبهُ الْمَلَائِكَة قَالُوا سَمِعْنَا قَالَ وَسَمِعْته يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَة قَالُوا لَمْ نَسْمَع
فَقَالَ بَلَى وَإِلَّا فَصَمْتًا فَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيث أَبِي شَيْخ
وَإِنَّمَا فِيهِ النَّهْي عَنْ الْمُتْعَة وَهِيَ وَاَللَّه أَعْلَم مُتْعَة النِّسَاء فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا مُتْعَة الْحَجّ وَالْقِرَان مُتْعَة فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَأَخْطَأَ خَطَأ فَاحِشًا
وَعَلَى كُلّ حَال فَلَيْسَ أَبُو شَيْخ مِمَّنْ يُعَارَض بِهِ كِبَار الصَّحَابَة الَّذِينَ رَوَوْا الْقِرَان عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَاره أَنَّ الْعُمْرَة دَخَلَتْ فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ
وَاَللَّه أَعْلَم