فَقَوْلُهُ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ يَعْنِي فِي آخِرِ الْأَمْرِ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ إِلَخْ) مَعْنَاهُ يَفْعَلُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالتَّقْصِيرَ وَقَدْ صَارَ حَلَالًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ أَوِ الْحَلْقَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِالتَّقْصِيرِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحَلْقِ مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِيَبْقَى لَهُ شَعْرٌ يَحْلُقُهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ الْحَلْقَ فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ في تحلل الْعُمْرَةِ (وَلْيَحْلِلْ) مَعْنَاهُ قَدْ صَارَ حَلَالًا فَلَهُ فِعْلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالنِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ) أَيْ وَيُحْرِمْ بِهِ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَاتٍ لَا أَنَّهُ يُهِلُّ بِهِ عَقِبَ تَحَلُّلِ الْعُمْرَةِ
وَلِهَذَا قَالَ ثُمَّ لِيُهِلَّ فَأَتَى بِثُمَّ الَّتِي هِيَ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ (وليهد) والمراد بِهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِشُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الثَّانِي أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أُفُقِيًّا لَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ وَحَاضِرُوهُ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) فَالْمُرَادُ لَمْ يَجِدْهُ هُنَاكَ إِمَّا لِعَدَمِ الْهَدْيِ أَوْ لِعَدَمِ ثَمَنِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمِثْلِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَكُونُ عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَيَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ سَوَاءً كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِ فِي بَلَدِهِ أَمْ لَا (فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) هو موافق
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه بَعْد قَوْل الْمُنْذِرِيِّ وَفِي لَفْظ مُسْلِم لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْده إِلَخْ الَّذِينَ قَالُوا قَرَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّته اِخْتَلَفَتْ طُرُقهمْ فِي كَيْفِيَّة قِرَانه فَطَائِفَة قَالَتْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجّ وهذا ظاهر حديث بن عُمَر وَعَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ طَرِيقَة أَبِي حَاتِم بْن حِبَّانَ فِي صَحِيحه
قَالَ هَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَا فِي إِفْرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا تَنَازَعَ الْأَئِمَّة فِيهَا مِنْ زَمَان إِلَى زَمَاننَا هَذَا وَشَنَّعَ بِهَا الْمُعَطِّلَة وَأَهْل الْبِدَع عَلَى أَئِمَّتنَا وَقَالُوا رَوَيْتُمْ ثَلَاثَة أَحَادِيث مُتَضَادَّة فِي فِعْل وَاحِد وَرَجُل وَاحِد وَحَالَة وَاحِدَة وَزَعَمْتُمْ أَنَّهَا ثَلَاثَتهَا صِحَاح مِنْ جِهَة النَّقْل وَالْعَقْل يَدْفَع مَا قُلْتُمْ إِذْ مُحَال أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع كَانَ مُفْرِدًا قَارِنًا مُتَمَتِّعًا إِلَى أَنْ قَالَ وَلَوْ تَوَجَّهَ قَائِل هَذَا فِي الْخَلْوَة إِلَى الْبَارِي وَسَأَلَهُ التَّوْفِيق لِإِصَابَةِ الْحَقّ وَالْهِدَايَة لِطَلَبِ الرُّشْد فِي الْجَمْع بَيْن الْأَخْبَار وَنَفْي التَّضَادّ عَنْ الْآثَار لَعَلِمَ بِتَوْفِيقِ الْوَاحِد الْقَهَّار أَنَّ أَخْبَار الْمُصْطَفَى لَا تَتَضَادّ وَلَا تَهَاتَر وَلَا يُكَذِّب بَعْضهَا بَعْضًا إِذَا صَحَّتْ مِنْ جِهَة النَّقْل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute