عَنِ السَّفَرِ (وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ سُمِّيَ بِهِ لِبُعْدِهِ عَنِ مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ لِكَوْنِهِ لَا مَسْجِدَ وَرَاءَهُ وَخَصَّهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ إِلَيْهِ الْحَجُّ وَالْقِبْلَةُ وَالثَّانِيَ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالثَّالِثَ قِبْلَةُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا فِي النَّذْرِ يَنْذُرُهُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ فَإِنْ شَاءَ وَفَى بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ الْوَفَاءَ يَلْزَمُهُ بِمَا نَذَرَ فِيهَا
وَإِنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَسَاجِدُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا بَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَيْهِ تَأَوَّلُوا الْخَبَرَ
انْتَهَى
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ اخْتُلِفَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَالْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ فِيهَا وَالتَّبَرُّكِ بِهَا فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَحْرُمُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَقَالَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ وَخَصَّ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ بَالِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ دَلِيلًا
انتهى
وأخرج مالك في الموطأ عن مرثد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ فَقُلْتُ مِنَ الطُّورِ فقال لو أدركت قبل أن يخرج إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ
قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّهْلَوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ تَعْلِيقًا عَلَى الْبُخَارِيِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِمَّا جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ جِنْسٌ بَعِيدٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ وَحِينَئِذٍ مَا سِوَى الْمَسَاجِدِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَوْضِعٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ فَحِينَئِذٍ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمُعَظَّمَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِظَاهِرِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ حِينَ رَاجَعَ عَنِ الطُّورِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ مَدْلُولِ حَدِيثِ بَصْرَةَ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ اللَّهِ فِي حُجَّةِ اللَّهِ الْبَالِغَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا أَقُولُ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْصِدُونَ مَوَاضِعَ