للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بَالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ

وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةَ أَوْ يَعُودُ الْأُسْبُوعَ أو الشهر ونحو ذلك

وقال بن الْقَيِّمِ الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيئُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَالِاعْتِيَادِ فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ الِانْتِيَابُ بَالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ كَمَا جَعَلَ أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا

وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بَالْإِسْلَامِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الِاجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعِهِمْ لِلْعِيدِ إِمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ

وَقِيلَ الْعِيدُ مَا يُعَادُ إِلَيْهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إِلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إِلَيَّ فَقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ بَالصَّلَاةِ عَلَيَّ

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ انْتَهَى

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قَالَ بَعْضهمْ وَزِيَارَة قَبْره صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ غُنْيَة عَنْ هَذَا التَّكَلُّف الْبَارِد وَالتَّأْوِيل الْفَاسِد الَّذِي يُعْلَم فَسَاده مِنْ تَأَمُّل سِيَاق الْحَدِيث وَدَلَالَة اللَّفْظ عَلَى مَعْنَاهُ وَقَوْله فِي آخِره وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتكُمْ تَبْلُغنِي حَيْثُ كُنْتُمْ وَهَلْ فِي الْأَلْغَاز أَبْعَد مِنْ دَلَالَة مَنْ يُرِيد التَّرْغِيب فِي الْإِكْثَار مِنْ الشَّيْء وملازمته بقوله لا تجعله عيدا وقوله وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ قُبُورًا نَهْيٌ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُور الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا وَكَذَلِكَ نَهْيه لَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا قَبْره عِيدًا نَهْي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ مَجْمَعًا

كَالْأَعْيَادِ الَّتِي يَقْصِد النَّاس الِاجْتِمَاع إِلَيْهَا لِلصَّلَاةِ بَلْ يُزَار قَبْره صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَزُورهُ الصَّحَابَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْه الَّذِي يُرْضِيه وَيُحِبّهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>