عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَتِمَّةً لِمَا ذَكَرَهُ فِي الخلوة
كذا في فتح الودود (ياأبا عبد الرحمن) هي كنية بن مَسْعُودٍ (جَارِيَةً بِكْرًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِكْرِ وَتَفْضِيلِهَا عَلَى الثَّيِّبِ (يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ) مَعْنَاهُ يَرْجِعُ إِلَيْكُ مَا مَضَى مِنْ نَشَاطِكَ وَقُوَّةِ شَبَابِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنْعِشُ الْبَدَنَ (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ) بَالْهَمْزَةِ وَتَاءِ التَّأْنِيثِ مَمْدُودًا وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَلَا مَدٍّ وَقَدْ تُهْمَزُ وَتُمَدُّ بِلَا هَاءٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بَالْبَاءَةِ النِّكَاحُ وَأَصْلُهُ الْمَوْضِعُ يَتَبَوَّأُهُ وَيَأْوِي إِلَيْهِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بَالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤْنَةُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بَالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيِّهِ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بَالْبَاءَةِ مُؤْنَةُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بَاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَخْتَلِفَ الِاسْتِطَاعَتَانِ فَيَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ أَيْ بَلَغَ الْجِمَاعَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَيَكُونَ قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَيْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّزْوِيجِ وَقِيلَ الْبَاءَةُ بَالْمَدِّ الْقُدْرَةُ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ وَبَالْقَصْرِ الْوَطْءُ
قَالَ الْحَافِظُ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِأَنْ يُرَادَ بَالْبَاءَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ وَمُؤَنِ التَّزْوِيجِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ بِلَفْظِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ مَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمِثْلُهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ (فَإِنَّهُ) أَيِ التَّزَوُّجُ (أَغَضُّ لِلْبَصَرِ) أَيْ أَخْفَضُ وَأَدْفَعُ لِعَيْنِ الْمُتَزَوِّجِ عَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَضَّ طَرْفَهُ أَيْ خَفَضَهُ وَكَفَّهُ (وَأَحْصَنُ) أَيْ أَحْفَظُ لِلْفَرْجِ أَيْ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيْ مُؤَنَ الْبَاءَةِ (فَعَلَيْهِ بَالصَّوْمِ) قِيلَ هَذَا مِنْ إِغْرَاءِ الْغَائِبِ وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تُغْرِي إِلَّا الشَّاهِدَ تَقُولُ عَلَيْكَ زَيْدًا وَلَا تَقُولُ عَلَيْهِ زَيْدًا
قَالَ الطِّيبِيُّ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الضَّمِيرُ لِلْغَائِبِ رَاجِعًا إِلَى لَفْظَةِ مَنْ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُخَاطَبِينَ في قوله يامعشر الشَّبَابِ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِنْكُمْ جَازَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ
وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ إِغْرَاءُ الْغَائِبِ بَلِ الْخِطَابُ للحاضرين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute