للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا بَاتًّا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْتُ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ تَحْتَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْمُوجِب لِبَقَاءِ الْحُكْم الثَّانِي وَقَدْ اِرْتَفَعَ سَبَبه

وَمَعْلُوم أَنَّ بَقَاء الْحُكْم بِدُونِ سَبَبه مُمْتَنِع وَلَا تَصِحّ دَعْوَى أَنَّ الطَّلَاق الْمُحَرَّم سَبَب لِمَا تَقَدَّمَ قَالُوا وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي لَفْظ الشَّارِع يَصِحّ كَذَا وَلَا يَصِحّ وَإِنَّمَا يُسْتَفَاد ذَلِكَ مِنْ إِطْلَاقه وَمَنْعه فَمَا أَطْلَقَهُ وَأَبَاحَهُ فباشره المكلف حكم بصحته بمعى أَنَّهُ وَافَقَ أَمْر الشَّارِع

فَصَحَّ وَمَا لَمْ يَأْذَن فِيهِ وَلَمْ يُطْلِقهُ فَبَاشَرَهُ الْمُكَلَّف حُكِمَ بِعَدَمِ صِحَّته بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالَفَ أَمْر الشَّارِع وَحُكْمه

وَلَيْسَ مَعَنَا مَا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى الصِّحَّة وَالْفَسَاد إِلَّا مُوَافَقَة الْأَمْر وَالْإِذْن وَعَدَم مُوَافَقَتهمَا

فَإِنْ حَكَمْتُمْ بِالصِّحَّةِ مَعَ مُخَالَفَة أَمْر الشَّارِع وَإِبَاحَته لَمْ يَبْقَ طَرِيق إِلَى مَعْرِفَة الصَّحِيح مِنْ الْفَاسِد إِذْ لَمْ يَأْتِ مِنْ الشَّرْع إِخْبَار بِأَنَّ هَذَا صَحِيح وَهَذَا فَاسِد غَيْر الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم فَإِذَا جَوَّزْتُمْ ثُبُوت الصِّحَّة مَعَ التَّحْرِيم فَبِأَيِّ شَيْء تَسْتَدِلُّونَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى فَسَاد الْعَقْد وَبُطْلَانه

قَالُوا وَأَيْضًا فَإِنَّ النبي قَالَ كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ وَفِي لَفْظ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدٌّ وَالرَّدّ فِعْل بِمَعْنَى الْمَفْعُول أَيْ فَهُوَ مَرْدُود وَعَبَّرَ عَنْ الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَة حَتَّى كَأَنَّهُ نَفْس الرَّدّ وَهَذَا تَصْرِيح بِإِبْطَالِ كُلّ عَمَل عَلَى خِلَاف أَمْره وَرَدّه وَعَدَم اِعْتِبَاره فِي حُكْمه الْمَقْبُول وَمَعْلُوم أَنَّ الْمَرْدُود هُوَ الْبَاطِل بِعَيْنِهِ بَلْ كَوْنه رَدًّا أَبْلَغَ مِنْ كَوْنه بَاطِلًا إِذْ الْبَاطِل قَدْ يُقَال لِمَا لَا تَقَع فِيهِ أَوْ لِمَا مَنْفَعَته قَلِيلَة جِدًّا وَقَدْ يُقَال لِمَا يُنْتَفَع بِهِ ثُمَّ يَبْطُل نَفْعه وَأُمًّا الْمَرْدُود فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجْعَلهُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَقْصُوده أَصْلًا

قَالُوا فَالْمُطَلِّق فِي الْحَيْض قَدْ طَلَّقَ طَلَاقًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْر الشَّارِع فَيَكُون مَرْدُودًا فَلَوْ صَحَّ وَلَزِمَ لَكَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ وَهُوَ خِلَاف النَّصّ

قَالُوا وَأَيْضًا فَالشَّارِع أَبَاحَ لِلْمُكَلَّفِ مِنْ الطَّلَاق قَدْرًا مَعْلُومًا فِي زَمَن مَخْصُوص وَلَمْ يُمَلِّكهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْقَدْر الَّذِي حَدَّ لَهُ وَلَا الزَّمَن الَّذِي عَيَّنَ لَهُ فَإِذَا تَعَدَّى مَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْعَدَد كَانَ لَغْوًا بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إِذَا تَعَدَّى مَا حَدَّ لَهُ مِنْ الزَّمَان يَكُون لَغْوًا بَاطِلًا فَكَيْفَ يَكُون عِدْوَانه فِي الْوَقْت صَحِيحًا مُعْتَبَرًا لَازِمًا وَعِدْوَانه أَنَّهُ فِي الْعَدَد لَغْوًا بَاطِلًا قَالُوا وَهَذَا كَمَا أَنَّ الشَّارِع حَدَّ لَهُ عَدَدًا مِنْ النِّسَاء مُعَيَّنًا فِي وَقْت مُعَيَّن فَلَوْ تَعَدَّى مَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْعَدَد كَانَ لَغْوًا وَبَاطِلًا

وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَدَّى مَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْوَقْت بِأَنْ يَنْكِحهَا قَبْل اِنْقِضَاء الْعِدَّة مَثَلًا أَوْ فِي وَقْت الْإِحْرَام فَإِنَّهُ يَكُون لَغْوًا بَاطِلًا

فَقَدْ شَمَلَ الْبُطْلَان نَوْعَيْ التَّعَدِّي عَدَدًا أَوْ وَقْتًا

قَالُوا وَأَيْضًا فَالصِّحَّة إِمَّا أَنْ تُفَسَّر بِمُوَافَقَةِ أَمْر الشَّارِع وَإِمَّا أَنْ تُفَسَّر بِتَرَتُّبِ أَثَر الْفِعْل عَلَيْهِ فَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيح هَذَا الطَّلَاق مُمْكِنًا وَإِنْ فُسِّرَتْ بِالثَّانِي وَجَبَ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُون الْعَقْد

<<  <  ج: ص:  >  >>