. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَعْمَش قَالَ سَأَلْت إِبْرَاهِيم فَقَالَ لِي مِثْل ذَلِكَ
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا غايته أن يكون قول بن مَسْعُود وَقَدْ خَالَفَهُ عَلِيّ وَغَيْره
وَقَدْ رُوِيَ عن بن مَسْعُود رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا التَّفْرِيق وَالثَّانِيَة إِفْرَاد الطَّلْقَة وَتَرْكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتهَا
قَالَ طَلَاق السُّنَّة أَنْ يُطَلِّقهَا وَهِيَ طَاهِر ثُمَّ يَدَعهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتهَا أَوْ يُرَاجِعهَا إِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بن عَبْد الْبَرّ عَنْهُ
وَلِأَنَّ هَذَا أَرْدَأ طَلَاق لِأَنَّهُ طَلَاق مِنْ غَيْر حَاجَة إِلَيْهِ وَتَعْرِيض لِتَحْرِيمِ الْمَرْأَة عَلَيْهِ إِلَّا بَعْد زَوْج وَإِصَابَة وَالشَّارِع لَا غَرَض لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا مَصْلَحَة لِلْمُطَلِّقِ فَكَانَ بِدْعِيًّا
وَاَللَّه أَعْلَم
وَقَوْله فَتِلْكَ الْعِدَّة الَّتِي أَمَرَ اللَّه أَنْ تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَرَى الْأَقْرَاء هِيَ الْأَطْهَار
قَالُوا وَاللَّام بِمَعْنَى الْوَقْت كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس} وَقَوْل الْعَرَب كَتَبَ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ وَلِثَلَاثٍ بَقَيْنَ
وَفِي الْحَدِيث فَلْيُصَلِّهَا حِين ذَكَرَهَا وَمِنْ الْغَد لِلْوَقْتِ قَالُوا فَهَذِهِ اللَّام الْوَقْتِيَّة بِمَعْنَى (فِيهِ)
وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} هِيَ اللَّام الْمَذْكُورَة فِي قَوْله أَنْ تُطَلَّق لَهَا النِّسَاء وَلَا يَصِحّ أَنْ تَكُون وَقْتِيَّة وَلَا ذَكَرَ أَحَد مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ اللَّام تَأْتِي بِمَعْنَى فِي أَصْلًا
ولا يصح أن تكون هنا بِمَعْنَى فِي وَلَوْ صَحَّ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع لِأَنَّ الطَّلَاق لَا يَكُون فِي نَفْس الْعِدَّة وَلَا تَكُون عِدَّة الطَّلَاق ظَرْفًا لَهُ قَطّ وَإِنَّمَا اللَّام هُنَا عَلَى بَابهَا لِلِاخْتِصَاصِ
وَالْمَعْنَى طَلِّقُوهُنَّ مُسْتَقْبِلَات عِدَّتِهِنَّ وَيُفَسِّر هَذَا قِرَاءَة النبي في حديث بن عُمَر فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُل عِدَّتِهِنَّ أَيْ فِي الوقت الذي تستقبل فِيهِ الْعِدَّة
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرهَا اِسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّة مِنْ الْحَيْضَة الَّتِي تَلِيه فَقَدْ طَلَّقَهَا فِي قُبُل عِدَّتهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدّ بِتِلْكَ الْحَيْضَة وَيُنْتَظَر فَرَاغهَا وَانْقِضَاء الطُّهْر الَّذِي يَلِيهَا ثُمَّ تَشْرَع فِي الْعِدَّة فَلَا يَكُون طَلَاقهَا حَائِضًا طَلَاقًا فِي قُبُل عِدَّتهَا وَقَدْ أَفْرَدْت لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة مُصَنَّفًا مُسْتَقِلًّا ذَكَرْت فِيهِ مَذَاهِب النَّاس وَمَآخِذهمْ وَتَرْجِيح الْقَوْل الرَّاجِح وَالْجَوَاب عَمَّا اِحْتَجَّ بِهِ أَصْحَاب الْقَوْل الْآخَر
وَقَوْله مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْر بِهِ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي ذَلِكَ وَفَصْل النِّزَاع أَنَّ الْمَأْمُور الْأَوَّل إِنْ كَانَ مبلغا محضا كأمر النبي آحاد الصحابة أن يأمر الغائب عنه يأمره فَهَذَا أَمْر بِهِ مِنْ جِهَة الشَّارِع قَطْعًا وَلَا يَقْبَل ذَلِكَ نِزَاعًا أَصْلًا وَمِنْهُ قَوْله مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ وَقَوْله مُرُوهُمْ بِصَلَاةٍ كَذَا فِي حِين كَذَا وَنَظَائِره فَهَذَا الثَّانِي مَأْمُور به من جهة الرسول فَإِذَا عَصَاهُ الْمُبَلَّغ إِلَيْهِ فَقَدْ عَصَى أَمْر الرَّسُول صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَالْمَأْمُور الْأَوَّل مُبَلِّغ مَحْض وَإِنْ كَانَ الْأَمْر مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَأْمُور الْأَوَّل تَوَجُّه التَّكْلِيفِ وَالثَّانِي غَيْر مُكَلَّف لَمْ يَكُنْ أَمْرًا لِلثَّانِي مِنْ جِهَة الشَّارِع كقوله مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ
فَهَذَا الْأَمْر خِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ بِأَمْرِ الصِّبْيَان بِالصَّلَاةِ فَهَذَا فَصْل الْخِطَاب فِي هَذَا الْبَاب
وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ
فَهَذِهِ كَانَتْ نبهنا بها على بعض فوائد حديث بن عُمَر فَلَا تَسْتَطِلْهَا فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى فَوَائِد