الصَّرْفُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ دَفْعُ ذَهَبٍ وَأَخْذُ فِضَّةٍ وَعَكْسُهُ
قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الصَّرْفِ أَنْ يُقَالَ هُوَ بَيْعُ النُّقُودِ وَالْأَثْمَانِ بِجِنْسِهَا
واعلم أن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَعْتَقِدُ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَصَاعِ تَمْرٍ بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَكَذَا الْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ وَكَانَ مُعْتَمَدُهُ حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ الْعَدَوِيِّ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزَ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ كَانَ بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَالْحَدِيثَ وَفِيهِ التَّمْرُ بَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بَالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بَالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فمن زاد فهو ربا
فقال بن عَبَّاسٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أن المؤلف يقول إن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا بِجَعْلِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ
وَقَالَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الصَّرْفِ مِنْ أَنَّهُ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ بِرِبَا الْفَضْلِ
قُلْتُ رُجُوعُهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ بِبَلُوغِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ واستغفاره عما أفتى أولا ونهيه عند أَشَدَّ النَّهْيِ ظَاهِرةٌ لَا سُتْرَةَ فِيهِ وَأَمَّا رُجُوعُهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ خَفَاءٌ كَيْفَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخَةٌ لِرِوَايَتِهِ الْآتِيَةِ مُوجِبَةٌ لِرُجُوعِهِ عَنْهَا وَكَذَا لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ عَنْ جَعْلِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً أَوْ نَهَى عَنْهُ أَحَدًا وَأَمْرُ الطَّلَاقِ أَشَدُّ من أمر الربا
وإفتائه بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ لِرِوَايَتِهِ
وَسَيَأْتِي وَجْهٌ وَجِيهٌ لِإِفْتَائِهِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ في كلام الإمام بن القيم إن شاء الله تعالى
(قال بن عَبَّاسٍ بَلَى كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إِلَى قَوْلِهِ قَدْ تَتَابَعُوا فِيهَا) أَيْ فِي التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَقَوْلُهُ تَتَابَعُوا بَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي بَعْضِ النسخ