عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ
وَقَوْلُهُ أَنَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْلَةٌ وَبَقِيَّةُ اسْتِمْتَاعٍ لِانْتِظَارِ الْمُرَاجَعَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ إِذَا أُوقِعَتْ مَجْمُوعَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ نَقَلَ ذلك بن مُغِيثٍ فِي كِتَابِ الْوَثَائِقِ لَهُ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة مِنْ مَشَايِخِ قُرْطُبَةَ كَمُحَمَّدِ بْنِ تَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا ونقله بن المنذر عن أصحاب بن عَبَّاسٍ كَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَيَتَعَجَّبُ من بن التِّينِ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ لُزُومَ الثَّلَاثِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ مَعَ ثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ كَمَا تَرَى انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَهَذَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ مَعَهُ فِي عَصْرِهِ وَثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ عَصْرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فَلَوْ عَدَّهُمُ الْعَادُّ بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ إِمَّا بِفَتْوَى وَإِمَّا بِإِقْرَارٍ عَلَيْهَا وَلَوْ فُرِضَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لِلْفَتْوَى بِهِ بَلْ كَانُوا مَا بَيْنَ مُفْتٍ وَمُقِرٍّ بِفُتْيَا وَسَاكِتٍ غَيْرِ مُنْكِرٍ وَهَذَا حَالُ كُلِّ صَحَابِيٍّ مِنْ عَهْدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْأَلْفِ قَطْعًا كَمَا ذَكَرَ يونس بن بكير عن بن إِسْحَاقَ وَكُلُّ صَحَابِيٍّ مِنْ لَدُنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن سُرَيْج يُمْكِن أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الطَّلَاق الثَّلَاث وَهُوَ أَنْ يُفَرِّق بَيْن اللَّفْظ
كَأَنْ يَقُول أَنْتِ طَالِق أَنْتِ طَالِق أَنْتِ طَالِق وَكَانَ فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْد أَبِي بَكْر وَالنَّاس عَلَى صِدْقهمْ وَسَلَامَتهمْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ فِيهِمْ الْخِبّ وَالْخِدَاع فَكَانُوا يَصْدُقُونَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّوْكِيد وَلَا يُرِيدُونَ الثَّلَاث
وَلَمَّا رَأَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي زَمَانه أُمُورًا ظَهَرَتْ وَأَحْوَالًا تَغَيَّرَتْ مَنَعَ مِنْ حَمْل اللَّفْظ عَلَى التَّكْرَار فَأَلْزَمهُمْ الثَّلَاث
وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي غَيْر الْمَدْخُول بِهَا وَذَهَبَ إلى هذا جماعة من أصحاب بن عَبَّاسٍ وَرَوَوْا أَنَّ الثَّلَاث لَا تَقَع عَلَى غَيْر الْمَدْخُول بِهَا لِأَنَّهَا بِالْوَاحِدَةِ تَبِين فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِق بَانَتْ وَقَوْله ثَلَاثًا وَقَعَ بَعْد الْبَيْنُونَة وَلَا يُعْتَدّ بِهِ وَهَذَا مَذْهَب إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ بَعْضهمْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ أَنَّ أَبَا حَفْص بْن الْمُغِيرَة طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَبَانَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَل لَهَا نَفَقَة ولا سكنى وفي حديث بن عُمَر أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا قَالَ إِذْن عَصَيْت رَبّك وَبَانَتْ مِنْك اِمْرَأَتك رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَعَنْ عَلِيّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته الْبَتَّة فَغَضِبَ وَقَالَ يَتَّخِذُونَ آيَات اللَّه هُزُوًا أَوْ دِين اللَّه هُزُوًا وَلَعِبًا مَنْ طَلَّقَ الْبَتَّة أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا لَا تَحِلّ لَهُ حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا