فَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَمَالِ نَظَرِهِ لِلْأُمَّةِ وَتَأْدِيبِهِ لَهُمْ وَلَكِنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بَاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَشْخَاصِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ وَخَفَائِهِ وأمير المؤمنين رضي الله عنهم لَمْ يَقُلْ لَهُمْ إِنَّ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَآهُ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ يَكُفُّهُمْ بِهَا التَّسَارُعَ إِلَى إِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَلِهَذَا قَالَ فَلَوْ أَنَّا أَمْضَيْنَاهُ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ فَأَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ أَفَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا رَأْيٌ مِنْهُ رَآهُ لِلْمَصْلَحَةِ لَا إِخْبَارٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا عَلِمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَنَاةَ وَالرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَرَحْمَةٌ بِهِ وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ قَابَلَهَا بِضِدِّهَا وَلَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ وَمَا جَعَلَهُ لَهُ مِنَ الْأَنَاةِ عَاقَبَهُ بِأَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَلْزَمَهُ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فِي قَوْل بَعْضهمْ وَبِدْعَة فِي قَوْل الْآخَرِينَ لَازِمٌ وَأَيْنَ هَؤُلَاءِ الْبُؤَسَاء مِنْ عَالِم الدِّين وَعَلَم الْإِسْلَام مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ وَقَدْ قَالَ فِي صَحِيحه بَاب جَوَاز الثَّلَاث لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} وَذَكَر حَدِيث اللِّعَان فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُغَيِّر عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُقِرّ عَلَى الْبَاطِل وَلِأَنَّهُ جَمَعَ مَا فُسِحَ لَهُ فِي تَفْرِيقه فَأَلْزَمَتْهُ الشَّرِيعَة حُكْمه وَمَا نَسَبُوهُ إِلَى الصَّحَابَة كَذِب بَحْت لَا أَصْل لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا رِوَايَة لَهُ عَنْ أَحَد
وَقَدْ أَدْخَلَ مَالك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَلِيّ أَنَّ الْحَرَام ثَلَاث لَازِمَةٌ فِي كَلِمَةٍ فَهَذَا فِي مَعْنَاهَا
فَكَيْف إِذَا صَرَّحَ بِهَا وَأَمَّا حَدِيث الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ فَغَيْر مَقْبُول فِي الْمِلَّة وَلَا عِنْد أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة
فَإِنَّ قِيلَ فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ بن عَبَّاس وَذَكَر حَدِيث أَبِي الصَّهْبَاء هَذَا
قُلْنَا هَذَا لَا مُتَعَلَّق فِيهِ مِنْ خَمْسَة أَوْجُه الْأَوَّل أَنَّهُ حَدِيث مُخْتَلَف فِي صِحَّته فَكَيْف يُقَدَّم عَلَى إِجْمَاع الْأُمَّة وَلَمْ يُعْرَف لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة خِلَاف إِلَّا عَنْ قَوْم اِنْحَطُّوا عَنْ رُتْبَة التَّابِعِينَ وَقَدْ سَبَقَ الْعَصْرَانِ الْكَرِيمَانِ وَالِاتِّفَاق عَلَى لُزُوم الثَّلَاث فَإِنْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْهُمْ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَقْبَلُونَ مِنْكُمْ نَقْل الْعَدْل عَنْ الْعَدْل وَلَا تَجِد هَذِهِ الْمَسْأَلَة مَنْسُوبَة إِلَى أَحَد مِنْ السَّلَف أَبَدًا
الثَّانِي إِنَّ هَذَا الحديث لم يرو إلا عن بن عَبَّاس وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ إِلَّا مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ
فَكَيْف يُقْبَل مَا لَمْ يَرْوِهِ مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا وَاحِد وَمَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابِيّ إِلَّا وَاحِد وَكَيْف خَفِيَ عَلَى جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا بن عباس وكيف خفي على أصحاب بن عَبَّاس إِلَّا طَاوُس الثَّالِث يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهِ قَبْل الدُّخُول
وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ النَّسَائِيّ فَقَالَ
بَاب طَلَاق الثَّلَاث الْمُتَفَرِّقَة قَبْل الدُّخُول
بِالزَّوْجَةِ
وَذَكَر هَذَا الْحَدِيث بِنَصِّهِ
الرَّابِع أَنَّهُ يُعَارِضهُ حَدِيث مَحْمُود بْن لَبِيَدٍ قَالَ أُخْبِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُل طلق امرأته