(إِلَى الصُّبْحِ) أَيْ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ (عِنْدَ بَابِهِ) أَيْ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْغَلَسِ) هُوَ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ اخْتَلَطَ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ (لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ بَيْنَنَا (كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ كُلُّ مَا أَعْطَانِي مِنَ الْمَهْرِ مَوْجُودٌ عِنْدِي (خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا جَمِيعَ مَا كَانَ أَعْطَاهَا
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعَ مَا أَعْطَاهَا وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا سَاقَ إِلَيْهَا شَيْئًا وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى لِلْمُخْتَلِعَةِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَاقْتُضِيَ فِيهِ شَرَائِطُ الطَّلَاقِ مِنْ وُقُوعِهِ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمْسَسْ فِيهِ الْمُطَلَّقَةُ وَمِنْ كَوْنِهِ صَادِرًا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاضَاةِ الْمَرْأَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَرَّفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَالَ فِي ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ فِي مُخَالَعَتِهَا فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فسخ وليس بطلاق
وإلى هذا ذهب بن عَبَّاسٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بمعروف الْآيَةَ قَالَ ثُمَّ ذَكَرَ الْخُلْعَ فَقَالَ فَإِنْ خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به ثُمَّ ذَكَرَ الطَّلَاقَ فَقَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيره فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا
وإلى هذا ذهب طاؤس وَعِكْرِمَةُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وعثمان وبن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ وبن الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى بَاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute