مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إِحْدَاهُمَا سَوَاءً كَانَتِ الْمُخْتَارَةُ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا أَوْ آخِرًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا مُتَعَاقِبَتَيْنِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْأَخِيرَةِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ لِتَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِفْصَالِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ إِحْدَاهَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لِنِكَاحِ الْأُخْرَى حَتَّى يُطَلِّقَهَا
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي لَفْظِ الترمذي اختر أيتهما شئت
ولفظ بن مَاجَهْ طَلِّقْ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
اِخْتِيَارًا لَهَا وَهُوَ لَوْ قَالَ طَلَّقْت هَذِهِ وَأَمْسَكْت هَذِهِ أَوْ اِخْتَرْت هَذِهِ جَعَلْتُمْ الَّتِي اِخْتَارَ إِمْسَاكهَا مُفَارَقَة وَاَلَّتِي اِخْتَارَ طَلَاقهَا مُخْتَارَة وَهَذَا مَعْلُوم أَنَّهُ ضِدّ مَقْصُوده
وَأَقْصَى مَا فِي الْبَاب أَنَّهُ اِسْتَعْمَلَ لَفْظ الطَّلَاق فِي مُفَارَقَتهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فَارِقْ سَائِرهنَّ وَالْمُفَارَقَة أَيْضًا مِنْ سَرَائِح الطَّلَاق عِنْدكُمْ فَإِذَا قَالَ فَارَقْت هَذِهِ كَانَ اِخْتِيَارًا لَهَا وَهَذَا أَحَد الْوَجْهَيْنِ لَهُمْ
وَإِنَّمَا يَكُون مُفَارِقًا لَهَا إِذَا قَالَ فَسَخْت نِكَاح هَؤُلَاءِ أَوْ اِخْتَرْت هَؤُلَاءِ وَنَحْوه وَصَاحِب الشَّرْع قَدْ أَمَرَهُ بِالْفِرَاقِ
وَإِذَا أَتَى بِاللَّفْظِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ فِرَاقًا لَا اِخْتِيَارًا
وَأَمَّا قَوْلهمْ إِنَّ الطَّلَاق لَا يَكُون فِي زَوْجَة
قُلْنَا هَذَا يُنْتَقَض بِالْفَسْخِ وَإِنَّكُمْ قَدْ قُلْتُمْ لَوْ فَسَخَ نِكَاح إِحْدَاهُنَّ كَانَ اِخْتِيَارًا لِلْبَاقِيَاتِ وَمَعْلُوم أَنَّ الْفَسْخ لَا يَكُون إِلَّا فِي زَوْجَة فَمَا هُوَ جَوَابكُمْ فِي الْفَسْخ هُوَ الْجَوَاب فِي الطَّلَاق
وَأَيْضًا فَالطَّلَاق جُعِلَ عِبَارَة عَنْ الْفَسْخ وَإِخْرَاجًا لِلْمُطَلَّقَةِ وَاسْتِبْقَاء لِلْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ قَالَ أَرْسَلْت هَذِهِ وَسَيَّبْتهَا وَنَحْوه وَأَمْسَكْت هَذِهِ
وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاح لَمْ تَزُلْ أَحْكَامه كُلّهَا بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا قُلْتُمْ إِنَّ عِدَّة الْمُفَارَقَات مِنْ حِين الِاخْتِيَار لَا مِنْ حِين الْإِسْلَام عَلَى الصَّحِيح وَعَلَّلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُنَّ إِنَّمَا بِنَّ مِنْهُ بِالِاخْتِيَارِ لَا بِالْإِسْلَامِ فَالطَّلَاق أَثَرٌ فِي قَطْع أَحْكَام النِّكَاح وَإِزَالَتهَا
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِبْرَة بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّة وَهُوَ لَمْ يُرِدْ قَطّ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت هَذِهِ اِخْتِيَارهَا بَلْ هَذَا قَلْب لِلْحَقَائِقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظ الطَّلَاق لَمْ يُوضَع لِلِاخْتِيَارِ لُغَة وَلَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا وَلَا هُوَ اِصْطِلَاحٌ خَاصّ لَهُ يُرِيدهُ بِكَلَامِهِ فَحَمْله عَلَى الاختيار ممتنع