النَّظَرَ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أبصارهم الْآيَةَ وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُخْصَةٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا آمِنَةٌ عِنْدَهُ من نظير غَيْرِهِ وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا عَنْهُ انْتَهَى (فَإِذَا حَلَلْتِ) أَيْ خَرَجْتِ مِنَ الْعِدَّةِ (فَآذِنِينِي) بَالْمَدِّ وَكَسْرِ الذَّالِ أَيْ فَأَعْلِمِينِي (وَأَبَا جَهْمٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ هُوَ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَهُوَ الَّذِي طَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْبِجَانِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جَهْمٍ الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي (فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ مَنْكِبِهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَسْفَارِ أَوْ عَنْ كَثْرَةِ الضَّرْبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا فِي الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ (فَصُعْلُوكٌ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ فَقِيرٌ (لَا مَالَ لَهُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ (انْكِحِي) بِهَمْزِ وَصْلٍ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ تَزَوَّجِي (فَكَرِهَتْهُ أَيِ) ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِ مَوْلًى أَسْوَدَ جِدًّا
وَإِنَّمَا أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَحُسْنِ طَرَائِقِهِ وَكَرَمِ شَمَائِلِهِ فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ (ثُمَّ قَالَ انْكِحِي) إِنَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهَا الْحَثَّ عَلَى زَوَاجِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ وَلِذَا قَالَتْ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَخْ (وَاغْتَبَطْتُ بِهِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ أَيْ صِرْتُ ذَاتَ غِبْطَةٍ بِحَيْثُ اغْتَبَطَتْنِي النِّسَاءُ لِحَظٍّ كَانَ لِي منه قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغِبْطَةُ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ حَالِ الْمَغْبُوطِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ زَوَالِهَا عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ الْحَسَدُ تَقُولُ مِنْهُ غَبَطْتُهُ بِمَا نَالَ أَغْبِطُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ غَبْطًا وَغِبْطَةً فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْتُهُ فَامْتَنَعَ وَحَبَسْتُهُ فَاحْتَبَسَ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى
قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ الْحَائِلِ (أَيْ غَيْرِ الْحَامِلِ) هَلْ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَمْ لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ
وَقَالَ بن عَبَّاسٍ وَأَحْمَدُ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وجدكم فَهَذَا أَمْرٌ بَالسُّكْنَى
وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ
قَالَ الْعُلَمَاءُ الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ