فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْ عُمَرَ يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى رِوَايَةِ فَاطِمَةَ قُلْتُ هَذَا مَطْعَنٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
العراق وقول بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن أَبِي صَالِح وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَعُثْمَان الْبَتِّيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ
وَحَكَاهُ أَبُو يَعْلَى الْقَاضِي فِي مُفْرَدَاته رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَهِيَ غَرِيبَة جِدًّا وَالثَّالِث أَنَّ لَهَا السُّكْنَى دُون النَّفَقَة وَهَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة السَّبْعَة وَهُوَ مَذْهَب عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ
وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْخَبَر مَنْ قال بِهِ وَأَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنَى وَلَيْسَ مَعَ رَدّه حُجَّة تُقَاوِمهُ وَلَا تُقَارِبهُ
قال بن عَبْد الْبَرّ أَمَّا مِنْ طَرِيق الْحُجَّة وَمَا يَلْزَم مِنْهَا فَقَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَمَنْ تَابَعَهُ أَصِحّ وَأَرْجَح لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا صَرِيحًا فَأَيّ شَيْء يُعَارِض هَذَا إِلَّا مِثْله عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّن عَنْ اللَّه مُرَاده وَلَا شَيْء يَدْفَع ذَلِكَ وَمَعْلُوم أَنَّهُ أَعْلَم بِتَأْوِيلِ قَوْل اللَّه تَعَالَى {أُسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
وَأَمَّا قَوْل عُمَر وَمَنْ وَافَقَهُ فقد خالفه علي وبن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَالْحُجَّة مَعَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفهُمْ أَحَد مِنْهُمْ لَمَا قُبِلَ قَوْل الْمُخَالِف لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّة عَلَى عُمَر وَعَلَى غَيْره
وَلَمْ يَصِحّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة فَإِنَّ أَحْمَد أَنْكَرَهُ وَقَالَ أَمَّا هَذَا فَلَا
وَلَكِنْ قَالَ لَا نَقْبَل فِي دِينِنَا قَوْل اِمْرَأَة وَهَذَا أَمْر يَرُدّهُ الْإِجْمَاع عَلَى قَبُول الْمَرْأَة فِي الرِّوَايَة فَأَيّ حُجَّة فِي شَيْء يُخَالِفهُ الْإِجْمَاع وَتَرُدّهُ السُّنَّة وَيُخَالِفهُ فِيهِ عُلَمَاء الصَّحَابَة وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق نَحْنُ نَعْلَم أَنَّ عُمَر لَا يَقُول لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا إِلَّا لِمَا هُوَ مَوْجُود فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَاَلَّذِي فِي الْكِتَاب أَنَّ لَهَا النَّفَقَة إِذَا كَانَتْ حَامِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} وَأَمَّا غَيْر ذَوَات الْحَمْل فَلَا يَدُلّ إِلَّا عَلَى أَنَّهُنَّ لَا نَفَقَة لَهُنَّ لِاشْتِرَاطِهِ الْحَمْل في الأمر بالإنفاق
آخر كلامه
والذي رَدُّوا خَبَر فَاطِمَة هَذَا ظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِلْقُرْآنِ فإن الله تعالى قال {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدكُمْ} وَقَالَ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} وَهَذَا لَوْ كَانَ كَمَا ظَنُّوهُ لَكَانَ فِي السُّكْنَى خَاصَّة وَأَمَّا إِيجَاب النَّفَقَة لَهَا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن إِلَّا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهُنَّ كَمَا قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى شَرَطَ فِي وُجُوب الْإِنْفَاق أَنْ يَكُنَّ مِنْ أُولَات الْحَمْل وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا نَفَقَة لَهَا كَيْف وَإِنَّ الْقُرْآن لَا يَدُلّ عَلَى وجوب السكنى للمبتوتة بِوَجْهٍ مَا فَإِنَّ السِّيَاق كُلّه إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّجْعِيَّة
يُبَيِّن ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّه يُحْدِث بَعْد ذَلِكَ أَمْرًا} وَقَوْله {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلهنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَهَذَا فِي الْبَائِن