للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أنفسهن بالمعروف (عِدَّتَهَا) أَيِ الْمَرْأَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (عِنْدَ أَهْلِهَا) الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خرجن فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من معروف (فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) لِأَنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَلَمَّا نُسِخَ الْحَوْلُ بِأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ نُسِخَتِ السُّكْنَى أَيْضًا (وَهُوَ) أَيِ الْمَنْسُوخُ حُكْمُهُ (قَوْلُ الله عزوجل غَيْرَ إِخْرَاجٍ) فَهَذِهِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِيهَا غَيْرَ إِخْرَاجٍ مَنْسُوخٌ بَالْآيَةِ الْأُولَى (قَالَ عَطَاءٌ) أَيْضًا (إِنْ شَاءَتْ) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ زَوْجِهَا

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ أَهْلِهَا (وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا) أَيِ الْمُشَارِ إليها بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول (وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ) مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا (ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فإن كان لكم ولد فلهن الثمن (فَنَسَخَ السُّكْنَى) كَمَا نَسَخَتْ آيَةُ الْخُرُوجِ وَهِيَ فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن وُجُوبَ الِاعْتِدَادِ عِنْدَ أَهْلِ الزَّوْجِ (تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَلَا سُكْنَى لَهَا

قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا سُكْنَى لَهَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ كَالنَّفَقَةِ وَأَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى إِذَا كَانَتِ الدَّارُ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ انْتَهَى

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويذرون أزواجا قَالَ كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

تَعْتَدّ فِي مَنْزِلهَا

وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيَّب لَا تَبْرَح مِنْ مَكَانهَا الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ نَعْي زَوْجهَا

وَحَدِيث الْفُرَيْعَة حُجَّة ظَاهِرَة لَا مُعَارِض لَهَا

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فإن خرجن فلا جناح عليكم} فإنها سنة الِاعْتِدَاد فِي مَنْزِل الزَّوْج فَالْمَنْسُوخ حُكْمٌ آخَر غَيْر الِاعْتِدَاد فِي الْمَنْزِل وَهُوَ اِسْتِحْقَاقهَا لِلسُّكْنَى فِي بَيْت الزَّوْج الَّذِي صَارٍ لِلْوَرَثَةِ سُنَّة وَصِيَّة أَوْصَى اللَّه بِهَا الْأَزْوَاج تَقَدَّمَ بِهِ عَلَى الْوَرَثَة ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا اِسْتِحْقَاق فِي السُّكْنَى الْمَذْكُورَة فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِل الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ الزَّوْج لَهَا أَوْ بَذَلَ الْوَرَثَة لَهَا السُّكْنَى لَزِمَهَا الِاعْتِدَاد فِيهِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَالْوَاجِب عَلَيْهَا فِعْل السُّكْنَى لَا تَحْصِيل الْمَسْكَن فَاَلَّذِي نُسِخَ إِنَّمَا هُوَ اِخْتِصَاصهَا بِسُكْنَى السُّنَّة دُون الْوَرَثَة وَاَلَّذِي أَمَرَتْ بِهِ أَنْ تَمْكُث فِي بَيْتهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتهَا وَلَا تَنَافِي بَيْن الْحُكْمَيْنِ

وَاَللَّه أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا يدل على أن بن مَسْعُود يَرَى نَسْخ الْآيَة فِي الْبَقَرَة بِهَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الطَّلَاق وَهِيَ قَوْله {وَأُولَات الْأَحْمَال أَجَلهنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} وَهَذَا عَلَى عُرْف السَّلَف فِي النَّسْخ فَإِنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>