(مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ) مِنَ الْمُلَاعَنَةِ وَهُوَ الْمُبَاهَلَةُ أَيْ مَنْ يُخَالِفُنِي فَإِنْ شَاءَ فَلْيَجْتَمِعْ مَعِي حَتَّى نَلْعَنَ الْمُخَالِفَ لِلْحَقِّ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ قَطْعِهِ وَجَزْمِهِ بِمَا يَقُولُ مِنْ غَيْرِ وَهْمٍ بِخِلَافِهِ (سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى) وَهِيَ سُورَةُ الطَّلَاقِ (بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرًا) الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلْمُتَقَدِّمَةِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَعْنِي بِسُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى سُورَةُ الطَّلَاقِ وَيُرِيدُ أَنَّ نُزُولَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى نُزُولِ سُورَةِ الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ حُكْمَ الْحَامِلِ وَأُولَاتُ الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى النَّسْخِ وَأَنَّ مَا فِي سُوَرةِ الطَّلَاقِ نَاسِخٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى النَّسْخِ لَكِنْ يُرَتِّبُونَ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَيَجْعَلُونَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ فِي عِدَّةِ غَيْرِ الْحَوَامِلِ وَهَذِهِ فِي عِدَّةِ الْحَوَامِلِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يُسَمُّونَ التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد نَسْخًا وَفِي الْقُرْآن مَا يَدُلّ عَلَى تَقْدِيم آيَة الطَّلَاق فِي الْعَمَل بِهَا وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى (أَجَلهنَّ) مُضَاف وَمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ يُفِيد الْعُمُوم أَيْ هَذَا مَجْمُوع أَجَلهنَّ لَا أَجَل لَهُنَّ غَيْره وَأَمَّا قَوْله {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} فَهُوَ فِعْل مُطْلَق لَا عُمُوم لَهُ فَإِذَا عَمِلَ بِهِ فِي غَيْر الْحَامِل كَانَ تَقْيِيدًا لِمُطْلَقِهِ بِآيَةِ الطَّلَاق فَالْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِلْمَفْهُومِ مِنْ دَلَالَة الْقُرْآن
وَاَللَّه أَعْلَم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute