الرُّبَاعِيَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ عَلَى الْمُجَامِعِ مُتَعَمِّدًا فِي نَهَارِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى عِتْقِ الرَّقَبَةِ لَمْ يَجْزِهِ الصِّيَامُ وَلَا الْإِطْعَامُ لِأَنَّ الْبَيَانَ خَرَجَ فِيهِ مُرَتَّبًا فَقَدَّمَ الْعِتْقَ ثُمَّ نَسَّقَ عَلَيْهِ الصِّيَامَ ثُمَّ الْإِطْعَامَ كَمَا رَتَّبَ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ زَعَمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَصَوْمِ شَهْرَيْنِ وَالْإِطْعَامِ وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْإِطْعَامُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْعِتْقِ وَفِيهِ دلالة من جهة الظاهر أن الكفارة لإطعام مُدٍّ وَاحِدٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ لِأَنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِذَا قُسِّمَتْ بَيْنَ سِتِّينَ لَمْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
وَفِي قَوْلِهِ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ بَيَانُ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ هُوَ الْقَضَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي صِيَامِ شَهْرَيْنِ
قَالَ فَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ صَامَ يَوْمًا مَكَانَهُ
وَقَالَ أَيْضًا وَفِي أَمْرِهِ الرَّجُلَ بِالْكَفَّارَةِ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْجَنَابَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ مِثْلُهَا لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ سَوَّتْ بَيْنَ الناس في الأحكام إلا موضع قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فَإِذَا لَزِمَهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِجِمَاعٍ مُتَعَمِّدَةً كَمَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ كَالرَّجُلِ سَوَاءً وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْزِئُهُمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ دُونَهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن ماجه بنحوه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيّ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَوْر عَنْ مُعَلَّى بْن مَنْصُور عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ وَكَانَ أَبُو عَبْد اللَّه أَيْضًا يَسْتَدِلّ عَلَى كَوْنهَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَة خَطَأ بِأَنَّهُ نَظَر فِي كِتَاب الصَّوْم تَصْنِيف مُعَلَّى بْن مَنْصُور بِخَطٍّ مَشْهُور فَوَجَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيث دُون هَذِهِ اللَّفْظَة وَبِأَنَّ كَافَّة أَصْحَاب سُفْيَان رَوَوْهُ عَنْهُ دُونهَا
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين وَقَدْ رَوَى مَالِك هَذَا الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن حميد بن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَان فَأَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُكَفِّر بِعِتْقِ رَقَبَة أَوْ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا ثُمَّ ذَكَر الْحَدِيث
وَحَسْبك بِهَذَا الْإِسْنَاد
وَفِيهِ أَمْرَانِ أَحَدهمَا وُجُوب الْكَفَّارَة بِأَيِّ مُفْطِر كَانَ
وَالثَّانِي أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِير
وَهُوَ مَذْهَب مَالِك فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرِوَايَة الْجَمَاعَة عَنْ الزُّهْرِيّ مُقَيَّدَة بِالْوَطْءِ نَافِلَة