عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ فَإِنَّ صَوْمَهُ فَاسِدٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ نِيَّةِ الشَّهْرِ كُلِّهِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ لِأَنَّ صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ صِيَامٌ مُفْرَدٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِهِ فِي الثَّانِي قَبْلَ فَجْرِهِ وَفِي الثَّالِثِ كَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا نَوَى لِلْفَرْضِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ
وَقَالُوا فِي صَوْمِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ إِنَّ عَلَيْهِ تَقْدِيمَ النِّيَّةِ قَبْلَ الْفَجْرِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ إِذَا قَدَّمَ لِلشَّهْرِ النِّيَّةَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ أَجْزَأَهُ لِلشَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدِ النِّيَّةَ كُلَّ لَيْلَةٍ
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مُسْنَدٍ لِأَنَّ سُفْيَانَ وَمَعْمَرًا قَدْ أَوْقَفَاهُ عَلَى حَفْصَةَ
قُلْتُ هَذَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَدْ أَسْنَدَهُ وَزِيَادَاتُ الثِّقَاتِ مَقْبُولَةٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ اللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ أَيْضًا جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ يَعْنِي مَرْفُوعًا وَأَوْقَفَهُ على حفصة معمر والزبيدي وبن عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عن نافع عن بن عُمَرَ قَوْلُهُ وَهُوَ أَصَحُّ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو قَدْ أَسْنَدَهُ وَزِيَادَاتُ الثِّقَاتُ مَقْبُولَةٌ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إِسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَبُتَّ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباد عن المفضل يعني بن فَضَالَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ
وَقَوْلُهُ مَنْ لَمْ يُجْمِعْ بِضَمِّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنَ الْإِجْمَاعِ إِحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةِ يُقَالُ أَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وَأَزْمَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَرُوِيَ يُبَيِّتْ بِضَمِّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أي ينويه من الليل
وروي بيت بِفَتْحِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَمْ يَنْوِهِ وَيَجْزِمْ بِهِ فَيَقْطَعَهُ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا صَوْمَ فِيهِ وَهُوَ اللَّيْلُ
وروى من لم يورضه اللَّيْلُ أَيْ لَمْ يُهَيِّئْهُ بِالنِّيَّةِ مِنْ أَرَضْتُ الْمَكَانَ إِذَا سَوَّيْتَهُ انْتَهَى