(أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا) شَكَّ الرَّاوِي () (فَقَالَ اعْتَكِفْ وَصُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ نَذْرَ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى وِفَاقِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ صَرِيحًا لَكِنَّ إِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ وَقَدْ زَادَ فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اعْتَكِفْ وَصُمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ وهو ضعيف
وذكر بن عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى يَوْمًا شَاذَّةٌ
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَذْرِهِ شَيْئًا وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا صَوْمَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ انْتَهَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى الاستحباب فليس المراد بالسنة ها هنا مُجَرَّد الِاسْتِحْبَاب وَإِنَّمَا الْمُرَاد طَرِيقَة الِاعْتِكَاف وَسُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَمِرَّة فِيهِ
وَقَوْله وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ يُبَيِّن ذَلِكَ
وَقَوْلكُمْ إِنَّهُ لِنَفْيِ الْكَمَال صَحِيح وَلَكِنْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْوَاجِب أَوْ الْمُسْتَحَبّ الْأَوَّل مُسَلَّم وَالثَّانِي
مَمْنُوع
وَالْحَمْل عَلَيْهِ بَعِيدٌ جِدًّا إِذَا لَا يَصْلُح النَّفْيُ الْمُطْلَق عِنْد نَفْي بَعْض الْمُسْتَحَبَّات وَإِلَّا صَحَّ النَّفْيُ عَنْ كُلّ عِبَادَةٍ تُرِكَ بَعْض مُسْتَحَبَّاتهَا وَلَا يَصِحّ ذَلِكَ لُغَة وَلَا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا وَلَا يُعْهَد فِي الشَّرِيعَة نَفْيُ الْعِبَادَة إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِب فِيهَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُقَال إِنَّ قَوْله وَالسُّنَّة عَلَى الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ فِيهِ
قَالَ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيث فِي سُنَنه عن نافع عن بن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشِّرْك وَيَصُوم فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ بَعْد إِسْلَامه فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك قَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظ سَعِيد بْن بَشِير وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة تَرْفَعهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصِيَامٍ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيّ