(فأجج) بجيمين أوليهما مُشَدَّدَةٌ أَيْ أَوْقَدَ (أَنْ يَقْتَحِمُوا) أَيْ يَدْخُلُوا (إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنَ النَّارِ) أَيْ بِتَرْكِ دِينِ آبَائِنَا (أَوْ دَخَلُوا فِيهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (لَمْ يَزَالُوا فِيهَا) قَالَ الْحَافِظُ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّارِ الَّتِي أُوقِدَتْ لَهُمْ أَيْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا بِسَبَبِ طَاعَةِ أَمِيرِهِمْ لَا تَضُرُّهُمْ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا فِيهَا لَاحْتَرَقُوا فَمَاتُوا فَلَمْ يَخْرُجُوا انْتَهَى
وَذَكَرَ لَهُ تَوْجِيهَاتٍ فِي الْفَتْحِ (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوُلَاةِ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْمَعْرُوفِ كَالْخُرُوجِ فِي الْبَعْثِ إِذَا أَمَرَ بِهِ الْوُلَاةُ وَالنُّفُوذِ لَهُمْ في الأمور التي هي الطاعات ومصالح للمسلمين فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ كَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا طَاعَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) لَا فِي الْمُنْكَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ مَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ هَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ الْقَاضِيَةِ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى الْعُمُومِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا أَنَّ دُخُولهمْ إِيَّاهَا مَعْصِيَة فِي نَفْس الْأَمْر وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُبَادِرُوا وَأَنْ يَتَثَبَّتُوا حَتَّى يَعْلَمُوا هَلْ ذَلِكَ طَاعَة لِلَّهِ وَرَسُوله أَمْ لَا فَأَقْدَمُوا عَلَى الْهُجُوم وَالِاقْتِحَام مِنْ غَيْر تَثَبُّت وَلَا نَظَر فَكَانَتْ عُقُوبَتهمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا فِيهَا
وَقَوْله أَبَدًا لَا يُعْطِي خُلُودهمْ فِي نَار جَهَنَّم
فَإِنَّ الْإِخْبَار إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَار الدُّنْيَا
وَالْأَبَد كَثِيرًا مَا يُرَاد بِهِ أَبَد الدُّنْيَا
قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ الْيَهُود {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْكُفَّار أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْت فِي النَّار وَيَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْض الرِّوَايَات أَنَّ هَذَا الرَّجُل كَانَ مَازِحًا وَكَانَ مَعْرُوفًا بِكَثْرَةِ الْمِزَاح وَالْمَعْرُوف أَنَّهُمْ أَغْضَبُوهُ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل أَنَّ عَلَى مَنْ أَطَاعَ وُلَاة الْأَمْر فِي مَعْصِيَة اللَّه كَانَ عَاصِيًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمَهِّد لَهُ عُذْرًا عِنْد اللَّه بَلْ إِثْم الْمَعْصِيَة لَا حَقّ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَوْلَا الْأَمْر لَمْ يَرْتَكِبهَا
وَعَلَى هَذَا يَدُلّ هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ وَجْهه
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق