١٩١ - بَابِ وَعَدَ وَوُكُولًا فَوَّضْتُهُ إِلَيْهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ إِلَى إِيمَانِهِمْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنُصَدِّقُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَكَانَ ذِمِّيًّا وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ وَحَلِيفًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَمَرَّ إِلَخْ وَبِهَذَا ظَهَرَ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ بِالْبَابِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الذِّمِّيِّ وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَتْلُ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْمُعَاهَدُ والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبِّبٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَرَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْأَزْرَقُ الْعَبَادَانِيُّ وَكَانَ ثِقَةً وَفُرَاتٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَاءٌ ثَالِثُ الْحُرُوفِ وَفُرَاتٌ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ عِجْلِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَكَانَ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن قبض فنزل الكوفة كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْجَاسُوسِ بِغَيْرِ أَمَانٍ كَمَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ بَابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أمان قاله بعض شيوخنا ويؤيده قول بن رَسْلَانَ الْآتِي
قُلْتُ وَمَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ طَالِبًا لِلْأَمْنِ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْأَمْنِ فَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ جَاسُوسٌ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَيْنٌ) فَاعِلٌ أَتَى (وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والواو للحال (فجلس) أي الجاسوس
قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ أَيْ جَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ انْتَهَى
قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ بِغَيْرِ أَمَانٍ أَيْ هَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ
قَالَ مَالِكٌ يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ قُبِلَ مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ
قال بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بِالْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمُتَعَلِّقَ بِعَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ جَاسُوسُهُمْ وَحُكْمُ الْجَاسُوسِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحَرْبِيِّ الْمُطْلَقِ الدَّاخِلِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالدَّعْوَى أَعَمُّ مِنَ الدَّلِيلِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَاسُوسَ الْمَذْكُورَ أَوْهَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ التَّجَسُّسِ انْطَلَقَ مُسْرِعًا فَفَطِنَ لَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ انْتَهَى (ثُمَّ انْسَلَّ) أَيِ انصرف (وأخذت سلبته) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْلَبُ عَنْهُ (فَنَفَّلَنِي) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ أَيْ أَعْطَانِي (إِيَّاهُ) أَيْ سَلَبَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَنَفَّلَنِي أَيْ أَعْطَانِي نَفْلًا وَهُوَ مَا يُخَصُّ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَيُزَادُ عَلَى سَهْمِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ وَأَمَّا المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بِذَلِكَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ اتِّفَاقًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ عَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ