للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة الْإِمَامِ وَفَسَادُهَا بِفَسَادِهَا فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جُنُبًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِصَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْضًا فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ لِلْإِمَامِ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ لِيُعِيدُوا صَلَاتَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُعْلِمْهُمْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ وَلِلطَّائِفَةِ الْأُخْرَى آثَارٌ كُلُّهَا ضِعَافٌ

وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ فَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ رَاجِحَةٌ وَرِوَايَاتُ غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ مَرْجُوحَةٌ إِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ التَّرْجِيحَ لِأَحَادِيثِ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ التَّعَارُضِ

قُلْتُ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمْ أن حديث أبي بكرة الذي صححه بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي صَحَّحَهُ الْهَيْثَمِيُّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ النَّاسُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ وَانْصَرَفَ وَبَقِيَ النَّاسُ قِيَامًا مُنْتَظِرِينَ فَكَانَ بَعْضُ صَلَاتِهِمْ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ مَعَ أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ بِهَذَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْجُنُبِ النَّاسِي وَيُؤَيِّدُهُ فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا فِعْلُ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ

وَأَمَّا التَّرْجِيحُ لِأَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا عِنْدَ التَّعَارُضِ فَهُوَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ لَكِنْ لَيْسَ ها هنا التَّعَارُضُ لِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ فَحَدَّثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا شَاهَدَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِ أَنَّ كَبَّرَ فِي مَعْنَى قَارَبَ أَنْ يُكَبِّرَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ أَنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا خَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ بَلْ سَكَتُوا فَفِي سُكُوتِهِمْ وَعَدَمِ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ إِيَّاهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ دَلَالَةٌ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ إِنَّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم انصرف بعد ما كبر ودخل في الصَّلَاةَ لَا تُقَاوِمُ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بَعْضُهَا مُرْسَلَةٌ وَبَعْضُهَا مَرْفُوعَةٌ فَأَمَّا الْمُرْسَلَةُ فَمُرْسَلَةٌ وَأَمَّا الْمَرْفُوعَةُ فَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ وَإِنْ صححها بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي إِرْسَالِهَا وَوَصْلِهَا قَالَهُ الْحَافِظُ

وَرِوَايَةُ أَنَسٍ وَإِنْ كَانَ جَيِّدَ الْإِسْنَادِ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهَا وَإِرْسَالِهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ

وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي أخرجها بن مَاجَهْ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي إِسْنَادِهَا نَظَرٌ وَأَمَّا رواية على مرفوعة (المرفوعة) فمدار طرقها على بن لهيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>